للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِعْلَانُ خَطَلِ آرَائِهِمْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَحْشَرِ وَهُوَ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ أَلَمِ الْجِسْمِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَدِّمَةٌ لِتَسْلِيطِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَازْدِهَائِهِمْ فِي الْأَرْضِ بِكُفْرِهِمْ وَمَرَحِهِمْ، وَهُوَ أَيْضًا ارْتِقَاءٌ فِي وَصْفِ أَحْوَالِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى نَكَالِهِمْ إِذِ ارْتَقَى مِنْ صِفَةِ جَزَائِهِمْ عَلَى إِشْرَاكِهِمْ وَهُوَ شَيْءٌ غَيْرُ مُسْتَغْرَبٍ تَرَتُّبُهُ عَلَى الشِّرْكِ إِلَى وَصْفِ تَحْقِيرِهِمْ آلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا وَذَلِكَ غَرِيبٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَأَشَدُّ دَلَالَةً عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِهِمْ وَهُوَ الْمَقْصِدُ الْمُهِمُّ مِنَ الْقَوَارِعِ الَّتِي سُلِّطَتْ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. فَمَوْقِعُ الْمَعْطُوفِ بِ (ثُمَّ) هُنَا كَمَوْقِعِ الْمَعْطُوفِ بِهَا فِي قَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ:

قُلْ إِنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... قَبْلَهُ ثُمَّ سَادَ مِنْ قَبْلُ جَدُّهُ

مِنْ حَيْثُ كَانَتْ سِيَادَةُ جَدِّهِ أَرْسَخَتْ لَهُ سِيَادَةَ أَبِيهِ وَأَعْقَبَتْ سِيَادَةَ نَفْسِهِ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مَوْجُودٌ بِكَثْرَةٍ. وَصِيغَ (قِيلَ) بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِأَنَّهُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ وَمَضَى وَكَذَلِكَ فِعْلُ قالُوا ضَلُّوا.

وَالْقَائِلُ لَهُمْ: نَاطِقٌ بِإِذن الله. و (أَيْن) لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ مَكَانِ الشَّيْءِ الْمَجْهُولِ الْمَكَانِ، وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْغَلَطِ وَالْفَضِيحَةِ فِي الْمَوْقِفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ لِيَكُونُوا شُفَعَاءَ لَهُمْ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ فَلَمَّا حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ فَلَمْ يَجِدُوا شُفَعَاءَ ذُكِّرُوا بِمَا كَانُوا يَزْعُمُونَهُ فَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَابْتَدَرُوا

بِالْجَوَابِ قبل انْتِهَاء الْمقَالة طَمَعا فِي أَن يَنْفَعهُمْ الِاعْتِذَار. فجملة قالُوا ضَلُّوا عَنَّا مُعْتَرضَة فِي أثْنَاء الْقَوْلِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَمَعْنَى ضَلُّوا غَابُوا كَقَوْلِهِ: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة: ١٠] أَيْ غُيِّبْنَا فِي التُّرَابِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تُفِيدُهُمْ. فَأَضْرَبُوا عَنْ قَوْلِهِمْ: ضَلُّوا عَنَّا وَقَالُوا: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أَيْ لَمْ نَكُنْ فِي الدُّنْيَا نَدْعُو شَيْئًا يُغْنِي عَنَّا، فَنَفْيُ دُعَاءِ شَيْءٍ هُنَا رَاجِعٌ إِلَى نَفْيِ دُعَاءِ شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ، كَمَا تَقُولُ: حَسِبْتُ أَنَّ فُلَانًا شَيْءٌ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنْ كُنْتَ خَبَرْتَهُ فَلَمْ تَرَ عِنْدَهُ خَيْرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «سُئِلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ