للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [غَافِر: ٥٥] الْآيَةَ، فَفَرَّعَ هُنَا عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ وَمَا تَخَلَّلَهُ مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَعْرِيضٍ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا كَالتَّكْرِيرِ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [غَافِر: ٥٥] . وَذَلِكَ أَنَّ نَظِيرَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَرَدَ بَعْدَ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غَافِر: ٥١] ثُمَّ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ [غَافِر: ٥٣] الْآيَةَ، فَلَمَّا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى مَا أَخَذَ اللَّهُ بِهِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ مَا يَلْقَوْنَهُ فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ [غَافِر: ٧٠، ٧١] الْآيَاتِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ عَوْدًا إِلَى بَدْءٍ إِذِ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [غَافِر: ٤، ٥] الْآيَاتِ، ثُمَّ

قَوْلُهُ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ [غَافِر: ١٨] ثُمَّ قَوْلُهُ: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا [غَافِر: ٢١] وَمَا بَعْدَهُ، فَلَمَّا حَصَلَ الْوَعْدُ بِالِانْتِصَافِ مِنْ مُكَذِّبِي النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ فَإِنَّ مُنَاسَبَةَ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَقِبَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيضًا بِالِانْتِصَارِ لَهُ وَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ الشَّرْطُ الْمُرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يُرِيَهُ بَعْضَ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَرَاهُ، فَإِنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ حَاصِلٌ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ مَضْمُونُ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ أَيْ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُفْلِتِينَ مِنَ الْعِقَابِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ التَّرْدِيدَيْنِ هُوَ أَنْ يَرَى النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا.

وَلِهَذَا كَانَ لِلتَّأْكِيدِ بِ (إِنَّ) فِي قَوْلِهِ: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ مَوْقِعُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤمنِينَ استبطأوا النَّصْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢١٤] فَنُزِّلُوا مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ فِيهِ فَأُكِّدَ وَعْدُهُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يُرْجَعُونَ لِإِفَادَتِهِ التَّجَدُّدَ فَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ شَرْطٌ، اقْتَرَنَ حَرْفُ (إِنِ) الشَّرْطِيَّةِ بِحَرْفِ (مَا)