للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ، وَمِمَّا يُعَدُّ قَدْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ أَنْ تُعَيَّنَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ لِيُعَلِّمَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَرَى أَنَّ فِي عِلْمِهِمْ بِهِ مَنْفَعَةً لَهُمْ وَقُدْرَةً عَلَى فَهْمِهِ وَحُسْنِ وَضْعِهِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْعَالِمِ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِلتَّعَلُّمِ أَنْ يُلْقِيَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَهُمْ مَقْدِرَةٌ عَلَى تَلَقِّيهِ وَإِدْرَاكِهِ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْكِتْمَانَ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ وَأَنَّ أَعْلَاهَا مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، وَبَقِيَّةُ الْمَرَاتِبِ تُؤْخَذُ بِالْمُقَايَسَةِ، وَهَذَا يَجِيءُ أَيْضًا فِي جَوَابِ الْعَالِمِ عَمَّا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ فَإِنْ كَانَ قَدِ انْفَرَدَ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ عُيِّنَ لِلْجَوَابِ مِثْلُ مَنْ يُعَيَّنُ لِلْفَتْوَى فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ إِذَا عَلِمَ احْتِيَاجَ السَّائِلِ وَيَجِيءُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْعِلْمِ أَوْ تَعْيِينِهِ لِلْجَوَابِ وَفِي عَدَمِ انْفِرَادِهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْوُجُوبِ الْعَيْنِيِّ وَالْوُجُوبِ الْكِفَائِيِّ.

وَفِي غَيْرِ هَذَا فَهُوَ فِي خيرة أَو يُجِيبَ أَوْ يَتْرُكَ. وَبِهَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الَّذِي

رَوَاهُ أَصْحَابُ «السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ» أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

فَخَصَّصَ عُمُومَهُ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ بِتَخْصِيصَاتٍ دَلَّتْ عَلَيْهَا الْأَدِلَّةُ قَدْ أَشَرْنَا إِلَى جُمَاعِهَا. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي كِتْمَانِ الشَّاهِدِ بِحَقِّ شَهَادَتِهِ.

وَالْعُهْدَةُ فِي وَضْعِ الْعَالِمِ نَفْسَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا يَأْنَسُهُ مِنْ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ وَمَا يَسْتَبْرِئُ بِهِ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.

وَالْعُهْدَةُ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الطَّالِبِينَ وَالسَّائِلِينَ عَلَيْهِ لِيُجْرِيَهَا عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ إِجْرَاؤُهَا عَلَيْهِ مِنَ الصُّوَرِ عَلَى مَا يَتَوَسَّمُهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْأَحْوَالِ الْمُحِيطَةِ بِهِمْ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي حَالِ نَفْسِهِ أَوْ حَالِ سَائِلِهِ فَلْيَسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ فِي الدِّينِ.

وَيَجِبُ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ حِكْمَةِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْهُدى حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ ضَابِطًا لِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ كِتْمَانُ مَا يُكْتَمُ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ أَيْ فَهُمْ لَا تَلْحَقُهُمُ اللَّعْنَةُ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ حَقِيقِيٌّ مَنْصُوبٌ عَلَى تَمَامِ الْكَلَامِ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا إِلَخْ.

وَشَرْطٌ لِلتَّوْبَةِ أَنْ يُصْلِحُوا مَا كَانُوا أَفْسَدُوا وَهُوَ بِإِظْهَارِ مَا كَتَمُوهُ وَأَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ