جُلُودَهُمْ لِكَوْنِهَا جُزْءًا مِنْهُمْ لَا يحِق لَهَا شَهَادَتُهَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهَا تَجُرُّ الْعَذَابَ إِلَيْهَا. وَاسْتِعْمَالُ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْعِلَّةِ فِي مَعْرِضِ التَّوْبِيخِ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمرَان: ٦٦] .
وَقَوْلُ الْجُلُودِ أَنْطَقَنَا اللَّهُ اعْتِذَارٌ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ جَرَتْ مِنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ. وَهَذَا النُّطْقُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ. وَقَوْلُهُمُ: الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ تَمْجِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا عِلَاقَةَ لَهُ بِالِاعْتِذَارِ، وَالْمَعْنَى: الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ نُطْقٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَاخْتِلَافُ دَلَالَةِ أَصْوَاتِهَا عَلَى وِجْدَانِهَا، فَعُمُومُ كُلَّ شَيْءٍ مَخْصُوصٌ بِالْعُرْفِ.
وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَالَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ مَا أَنْطَقَ اللَّهُ بِهِ جُلُودَهُمْ قُتُفِّيَ عَلَى مَقَالَتِهَا تَشْهِيرًا بِخَطَئِهِمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْمَصِيرَ إِلَى اللَّهِ لِزِيَادَةِ التَّنْدِيمِ وَالتَّحْسِيرِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَوْنِ الْوَاوِ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ وَاوَ الْعَطْفِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِاسْتِحْضَارِ حَالَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ سَاعَتَئِذٍ فِي قَبْضَةِ تَصَرُّفِ اللَّهِ مُبَاشَرَةً. وَأَمَّا رُجُوعُهُمْ بِمَعْنَى الْبَعْثِ فَإِنَّهُ قَدْ مَضَى بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ إِحْضَارِهِمْ عِنْدَ جَهَنَّمَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ الرُّجُوعَ إِلَى مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَمَا بَعْدَهَا اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَةِ وَيَوْمَ نَحْشُرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ وَجُمْلَةِ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [فصلت: ٢٤] مُوَجَّهًا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ
تَعَالَى إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ لِتَذْكِيرِهِمْ بِالْبَعْثِ عَقِبَ ذِكْرِ حَالِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ انْتِهَازًا لِفُرْصَةِ الْمَوْعِظَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ تَأَثُّرِهِمْ بِسَمَاعِهَا.
وَيَكُونُ فِعْلُ تُرْجَعُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي الِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْكَلَامُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute