وَلَا نَاهِيَةٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْخَوْفِ: النَّهْيُ عَنْ سَبَبِهِ، وَهُوَ تَوَقُّعُ الضُّرِّ، أَيْ لَا تَحْسَبُوا أَنَّ اللَّهَ مُعَاقِبُكُمْ، فَالنَّهْيُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّأْمِينِ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمْ إِذَا
تَحَقَّقُوا الْأَمْنَ زَالَ خَوْفُهُمْ، وَهَذَا تَطْمِينٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْخَوْفُ: غَمٌّ فِي النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنْ ظَنِّ حُصُولِ مَكْرُوهٍ شَدِيدٍ. وَالْحُزْنُ: غَمٌّ فِي النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنْ وُقُوعِ مَكْرُوهٍ بِفَوَاتِ نَفْعٍ أَوْ حُصُولِ ضُرٍّ.
وَأَلْحَقُوا بِتَأْمِينِهِمْ بِشَارَتَهُمْ، لِأَنَّ وَقْعَ النَّعِيمِ فِي النَّفْسِ مَوْقِعَ الْمَسَرَّةِ إِذَا لَمْ يُخَالِطْهُ تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ.
وَوَصْفُ الْجَنَّةِ بِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي وُعِدُوا عَلَيْهَا بِالْجَنَّةِ، وَتَعْجِيلٌ لَهُمْ بِمَسَرَّةِ الْفَوْزِ بِرِضَى اللَّهِ، وَتَحْقِيقُ وَعْدِهِ، أَيِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَهَا فِي الدُّنْيَا.
وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَأَصِّلُونَ فِي الْوَعْدِ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكَ مِنْ سَابِقِ إِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ.
وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ فِي تُوعَدُونَ إِفَادَةُ أَنَّهُمْ قَدْ تَكَرَّرَ وَعْدُهُمْ بِهَا، وَذَلِكَ بِتَكَرُّرِ الْأَعْمَالِ الْمَوْعُودِ لِأَجْلِهَا وَبِتَكَرُّرِ الْوَعْدِ فِي مَوَاقِعِ التَّذْكِيرِ وَالتَّبْشِيرِ.
وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
تَعْرِيفٌ بِأَنْفُسِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ تَأْنِيسًا لَهُمْ.
فَإِنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْمُتَلَقِّيَ صَاحِبٌ قَدِيمٌ يَزِيدُ نَفْسَ الْقَادِمِ انْشِرَاحًا وَأُنْسًا وَيُزِيلُ عَنْهُ دَهْشَةَ الْقُدُومِ، يُخَفِّفُ عَنْهُ مِنْ حِشْمَةِ الضِّيَافَةِ، وَيُزِيلُ عَنْهُ وَحْشَةَ الِاغْتِرَابِ، أَي نَحن الَّذين كُنَّا فِي صُحْبَتِكُمْ فِي الدُّنْيَا، إِذْ كَانُوا يَكْتُبُونَ حَسَنَاتِهِمْ وَيَشْهَدُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِصَلَاتِهِمْ كَمَا
فِي حَدِيثِ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»
. وَقَدْ حَفِظُوا الْعَهْدَ فَكَانُوا أَوْلِيَاءَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ جِيءَ بِهَذَا الْقَوْلِ مُعْتَرِضًا بَيْنَ صِفَاتِ الْجَنَّةِ