وَقَوْلُهُ: لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا مُرَادٌ بِهِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْوَعِيدِ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِكُلِّ كَائِنٍ، وَهُوَ مُتَّصِلُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ آنِفًا: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ [فصلت: ٢٢] الْآيَةَ.
وَالْإِلْحَادُ حَقِيقَتُهُ: الْمَيْلُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ، وَالْآيَاتُ تَشْمَلُ الدَّلَائِلَ الْكَوْنِيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] وَقَوْلِهِ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ [فصلت: ٣٧] إِلَخْ. وتشمل الْآيَات الْآيَاتِ الْقَوْلِيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت: ٢٦] . فَالْإِلْحَادُ فِي الْآيَاتِ مُسْتَعَارٌ لِلْعُدُولِ وَالِانْصِرَافِ عَنْ دَلَالَةِ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ. وَالْإِلْحَادُ فِي الْآيَاتِ الْقَوْلِيَّةِ مُسْتَعَارٌ لِلْعُدُولِ عَنْ سَمَاعِهَا وَلِلطَّعْنِ فِي صِحَّتِهَا وَصَرْفِ النَّاسِ عَنْ سَمَاعِهَا.
وَحَرْفُ فِي مِنْ قَوْله: فِي آياتِنا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ لِإِفَادَةِ تَمَكُّنِ إِلْحَادِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُ مَظْرُوفٌ فِي آيَاتِ اللَّهِ حَيْثُمَا كَانَتْ أَوْ كُلَّمَا سَمِعُوهَا. وَمَعْنَى نَفْيِ خَفَائِهِمْ: نَفِيُ خَفَاءِ إِلْحَادِهِمْ لَا خَفَاءِ ذَوَاتِهِمْ إِذْ لَا غَرَضَ فِي الْعِلْمِ بِذَوَاتِهِمْ.
أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ.
تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا لِبَيَانِ أَنَّ الْوَعِيدَ بِنَارِ جَهَنَّمَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى النَّارِ، وَبِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْ ذَلِك.
والاستفهام تقريع مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى تَفَاوُتِ الْمَرْتَبَتَيْنِ.
وَكُنِّيَ بِقَوْلِهِ: يَأْتِي آمِناً أَنَّ ذَلِكَ الْفَرِيقَ مَصِيرُهُ الْجَنَّةُ إِذْ لَا غَايَةَ لِلْآمِنِ إِلَّا أَنَّهُ فِي نَعِيمٍ. وَهَذِهِ كِنَايَةٌ تَعْرِيضِيَّةٌ بِالَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ.
وَفِي الْآيَةِ مُحَسِّنُ الِاحْتِبَاكِ، إِذْ حُذِفَ مُقَابِلُ: (مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ) وَهُوَ: مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute