للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا إِلَى قَوْلِهِ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [فصلت: ١- ٤] فَهَذَا تَحَدٍّ لَهُمْ وَوَصْفٌ لِلْقُرْآنِ بِصِفَةِ الْإِعْجَازِ.

ثُمَّ أَخَذَ فِي إِبْطَالِ مَعَاذِيرِهِمْ وَمَطَاعِنِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ [فصلت: ٥] ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ قَصَدُوا بِهِ أَنَّ حُجَّةَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مُقْنِعَةٍ لَهُمْ إِغَاظَةً مِنْهُم للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ تمالئهم عَلَى الْإِعْرَاضِ بِقَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦] وَهُوَ عَجْزٌ مَكْشُوفٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا [فصلت: ٤٠] وَبِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ [فصلت: ٤١] الْآيَاتِ. فَأَعْقَبَهَا بِأَوْصَافِ كَمَالِ الْقُرْآنِ الَّتِي لَا يَجِدُونَ مَطْعَنًا فِيهَا بِقَوْلِهِ:

وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ [فصلت: ٤١] الْآيَةَ.

وَإِذْ قَدْ كَانَتْ هَذِه المجادلات فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا إِبْطَالًا لِتَعَلُّلَاتِهِمْ، وَكَانَ عِمَادُهُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ مُفَصَّلُ الدَّلَالَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي لُغَتِهِمْ حَسَبَمَا ابْتُدِئِ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ:

كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: ٣] وَانْتُهِيَ هُنَا بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: ٤١، ٤٢] ، فَقَدْ نَهَضَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِدَلَالَتِهِ عَلَى صدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَانْتَقَلَ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى عِمَادُهَا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَهُم الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْآنٍ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ.

وَلِذَلِكَ فَجُمْلَةُ: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ

عَزِيزٌ

[فصلت: ٤١] عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ آنِفًا فِي مَوْقِعِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: ٣] وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الْكَهْف: ١١٠] مِنَ التَّحَدِّي بِصِفَةِ الْأُمِّيَّةِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، أَيْ لَوْ جِئْنَاهُمْ بِلَوْنٍ آخَرَ مِنْ مُعْجِزَةِ الْأُمِّيَّةِ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الرَّسُولِ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا، وَلَيْسَ للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمٌ بِتِلْكَ اللُّغَةِ مِنْ قَبْلُ، لَقَلَبُوا مَعَاذِيرَهُمْ فَقَالُوا: لَوْلَا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ بِلُغَةٍ نَفْهَمُهَا وَكَيْفَ يُخَاطِبُنَا بِكَلَامٍ أَعْجَمِيٍّ. فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْفَرْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حِرَفِ لَوْ الِامْتِنَاعِيَّةِ. وَهَذَا إِبَانَةٌ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَا تُجْدِي مَعَهُمُ الْحُجَّةُ وَلَا يَنْقَطِعُونَ عَنِ الْمَعَاذِيرِ لِأَنَّ جِدَالَهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ تَطَلُّبَ الْحَقِّ وَمَا هُوَ إِلَّا تَعَنُّتٌ لِتَرْوِيجِ هَوَاهُمْ.