للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي «الْكَشَّافِ» : «أَنَّهُمْ كَانُوا لِتَعَنُّتِهِمْ يَقُولُونَ: هَلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَجَمِ؟ فَقِيلَ: لَوْ كَانَ كَمَا يَقْتَرِحُونَ لَمْ يَتْرُكُوا الِاعْتِرَاضَ وَالتَّعَنُّتَ، وَقَالُوا: لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ إِلَخْ» . فَلَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ مِثْلَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَصْحَابِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَمَا هُوَ إِلَّا مِنْ صِنْفِ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ نَظْمُ الْآيَةِ: وَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ لَوْ وَجَوَابِهَا. وَلَا يُظَنُّ بِقُرَيْشٍ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.

وَضَمِيرُ جَعَلْناهُ عَائِدٌ إِلَى الذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ [فصلت:

٤١] .

وَقَوله: أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ بَقِيَّةُ مَا يَقُولُونَهُ عَلَى فَرْضِ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا، أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنَ الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

ولَوْلا حَرْفُ تَحْضِيضٍ.

وَمَعْنَى: فُصِّلَتْ هُنَا: بُيِّنَتْ وَوُضِّحَتْ، أَيْ لَوْلَا جُعِلَتْ آيَاتُهُ عَرَبِيَّةً نَفْهَمُهَا.

وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَعَرَبِيٌّ لِلْعَطْفِ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ. وَالْمَعْنَى: وَكَيْفَ يَلْتَقِي أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ اللَّفْظُ أَعْجَمِيًّا وَالْمُخَاطَبُ بِهِ عَرَبِيًّا كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَيُلْقَى لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ إِلَى مُخَاطَبٍ عَرَبِيٍّ.

وَمَعْنَى: قُرْآناً كِتَابًا مَقْرُوءًا.

وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ كِتَابِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُرْآنًا، وَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ دَاوُدَ يُسِّرَ لَهُ الْقُرْآنُ فَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي حِينِ يُسْرَجُ لَهُ فَرَسُهُ

(أَوْ كَمَا قَالَ) .

وَالْأَعْجَمِيُّ: الْمَنْسُوبُ إِلَى أَعْجَمَ، وَالْأَعْجَمُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُجْمَةِ وَهِيَ الْإِفْصَاحُ، فَالْأَعْجَمُ: الَّذِي لَا يُفْصِحُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَزِيَادَةُ الْيَاءِ فِيهِ لِلْوَصْفِ نَحْوَ: أَحَمِرَيٌّ وَدَوَّارِيٌّ.

فَالْأَعْجَمِيُّ مِنْ صِفَاتِ الْكَلَامِ.

وَأَفْرَدَ وَعَرَبِيٌّ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِجِنْسِ السَّامِعِ، وَالْمَعْنَى: أَكِتَابٌ عَرَبِيٌّ لِسَامِعِينَ عَرَبٍ

فَكَانَ حَقُّ عَرَبِيٌّ أَنْ يُجْمَعَ وَلَكِنَّهُ أُفْرِدَ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِنْكَارِ عَلَى تَنَافُرِ حَالَتَيِ الْكِتَابِ وَالْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجِنْسُ دُونَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى إِفْرَادٍ، أَوْ جَمْعٍ.