وَقَدْ أُضِيفَ الِاخْتِلَافُ لِكُلٍّ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُفُ الْآخَرَ فَتَحْصُلُ مِنْهُ فَوَائِدُ تُعَاكِسُ فَوَائِدَ الْآخَرِ بِحَيْثُ لَوْ دَامَ أَحَدُهُمَا لانقلب النَّفْع ضَرَرا قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الْقَصَص: ٧١، ٧٢] .
وَلِلِاخْتِلَافِ مَعْنًى آخَرُ هُوَ مُرَادٌ أَيْضًا وَهُوَ تَفَاوُتُهُمَا فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَمَرَّةً يَعْتَدِلَانِ
وَمَرَّةً يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ أَزْمِنَةِ الْفُصُولِ وَبِحَسَبِ أَمْكِنَةِ الْأَرْضِ فِي أَطْوَالِ الْبِلَادِ وَأَعْرَاضِهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مَوَاضِعِ الْعِبْرَةِ لِأَنَّهُ آثَارُ الصُّنْعِ الْبَدِيعِ فِي شَكْلِ الْأَرْضِ وَمِسَاحَتِهَا لِلشَّمْسِ قُرْبًا وَبُعْدًا. فَفِي اخْتِيَارِ التَّعْبِيرِ بِالِاخْتِلَافِ هُنَا سِرٌّ بَدِيعٌ لِتَكُونَ الْعِبَارَةُ صَالِحَةً لِلْعِبْرَتَيْنِ.
وَاللَّيْلُ اسْمٌ لِعَرْضِ الظُّلْمَةِ وَالسَّوَادِ الَّذِي يَعُمُّ مِقْدَارَ نِصْفٍ مِنْ كُرَةِ الْأَرْضِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرَ مُقَابِلٍ لِلشَّمْسِ فَإِذَا حُجِبَ قُرْصُ الشَّمْسِ عَنْ مِقْدَارِ نِصْفِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ بِسَبَبِ التَّقَابُلِ الْكُرَوِيِّ تَقَلَّصَ شُعَاعُ الشَّمْسِ عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ فَأَخَذَ النُّورُ فِي الضَّعْفِ وَعَادَتْ إِلَيْهِ الظُّلْمَةُ الْأَصْلِيَّةُ الَّتِي مَا أَزَالَهَا إِلَّا شُعَاعُ الشَّمْسِ وَيَكُونُ تَقَلُّصُ النُّورِ مُدَرَّجًا مَنْ وَقْتِ مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ عَنْ مُقَابَلَةِ الْأُفُقِ ابْتِدَاءً مِنْ وَقْتِ الْغُرُوبِ ثُمَّ وَقْتِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ ثُمَّ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ إِلَى أَنْ يَحْلُكَ السَّوَادُ فِي وَقْتِ الْعَشَاءِ حِينَ بَعُدَ قُرْصُ الشَّمْسِ عَنِ الْأُفُقِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ الْمَغِيبُ، وَكُلَّمَا اقْتَرَبَ قُرْصُ الشَّمْسِ مِنَ الْأُفُقِ الْآخَرِ أَكْسَبَهُ ضِيَاءً مِنْ شُعَاعِهَا ابْتِدَاءً مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ إِلَى الْإِسْفَارِ إِلَى الشُّرُوقِ إِلَى الضُّحَى، حَيْثُ يَتِمُّ نُورُ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى نِصْفِ الْكُرَةِ تَدْرِيجًا. وَذَلِكَ الضِّيَاءُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّهَارِ وَهُوَ النُّورُ التَّامُّ الْمُنْتَظِمُ عَلَى سَطْحِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَسْتَنِيرُ سَطْحُ الْكُرَةِ بِالْقَمَرِ فِي مُعْظَمِ لَيَالِيهِ اسْتِنَارَةً غَيْرَ تَامَّةٍ، وَبِضَوْءِ بَعْضِ النُّجُومِ اسْتِنَارَةً ضَعِيفَةً لَا تَكَادُ تُعْتَبَرُ.
فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيْ تَعَاقُبِهِمَا وَخَلْفِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، وَمِنْ بَلَاغَةِ عِلْمِ الْقُرْآنِ أَنْ سَمَّى ذَلِكَ اخْتِلَافًا تَسْمِيَةً مُنَاسِبَةً لِتَعَاقُبِ الْأَعْرَاضِ عَلَى الْجَوْهَرِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute