وَ (إِلَى اللَّهِ) خَبَرٌ عَنْ (حُكْمِهِ) . وإِلَى لِلِانْتِهَاءِ وَهُوَ انْتِهَاءٌ مَجَازِيٌّ تَمْثِيلِيٌّ، مَثَّلَ تَأْخِيرَ الْحُكْمِ إِلَى حُلُولِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَيْرِ السَّائِرِ إِلَى أَحَدٍ يَنْزِلُ عِنْدَهُ.
وَلَا عَلَاقَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِاخْتِلَافِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ حُكْمُهُ مَنُوطٌ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ صِحَّةً وَفَسَادًا فَإِصْدَارُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُصِيبِ وَالْمُخْطِئِ فِيهَا يَسِيرٌ إِنْ شَاءَ النَّاسُ التَّدَاوُلَ وَالْإِنْصَافَ. وَبِذَلِكَ تَوَصَّلَ أَهْلُ الْحَقِّ
إِلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصِيبِ وَالْمُخْطِئِ، وَمَرَاتِبُ الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ الْآيَاتِ سَابِقَهَا وَتَالِيَهَا وَلَا أَغْرَاضَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ نُفَاةُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ احْتِجَاجٌ لَا يَرْتَضِيهِ نَطَّاسٌ.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَقُولَ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى [الشورى: ٧] الْآيَةَ، فَتَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا لِأَنَّ الْإِنْذَارَ يَقْتَضِي كَلَامًا مُنْذَرًا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِجُمْلَةِ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ تَكْمِلَةٌ لِلْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ مِنَ اللَّهِ وَيَكُونَ فِي قَوْله: رَبِّي التفاتا مِنَ الْخِطَابِ إِلَى التَّكَلُّمِ، وَالتَّقْدِيرُ: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، وَتَكُونُ جُمْلَتَا عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ مُعْتَرِضَتَيْنِ.
وَالْإِشَارَةُ لِتَمْيِيزِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ. وَهَذَا التَّمْيِيزُ لِإِبْطَالِ الْتِبَاسِ مَاهِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ سَمَّوُا الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَأَرْبَابًا. وَأُوثِرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ لِلْبَعِيدِ لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ بِالْبُعْدِ الِاعْتِبَارِيِّ اللَّازِمِ لِلسُّمُوِّ وَشَرَفِ الْقَدْرِ، أَيْ ذَلِكُمُ اللَّهُ الْعَظِيمُ. وَيُتَوَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى تَعْظِيمِ حُكْمِهِ، فَالْمَعْنَى: اللَّهُ الْعَظِيمُ فِي حُكْمِهِ هُوَ رَبِّي الَّذِي تَوَكَّلْتُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِينِي مِنْكُمْ.
والتوكل: تَفَعُّلٌ مِنَ الْوَكْلِ، وَهُوَ التَّفْوِيضُ فِي الْعَمَلِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute