فَطْرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَالْأَنْعَامِ مِنْ أَعْجَبِ أَحْوَالِ خَلْقِ الْأَرْضِ. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا خَبَرًا ثَالِثًا عَنْ ضَمِيرِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الشورى: ٩] .
وَالْمَعْنَى: قَدَّرَ فِي تَكْوِينِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ أَزْوَاجًا لِأَفْرَادِهِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ مُقَارِنًا لِأَصْلِ تَكْوِينِ النَّوْعِ جِيءَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: لَكُمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ. وَالْخِطَابُ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ. وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَتَقْدِيمُ لَكُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَعْمُولَاتِ جَعَلَ لِيُعْرَفَ أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِ أَزْواجاً، وَلِيَكُونَ التَّعْلِيلُ بِهِ مُلَاحَظًا فِي الْمَعْطُوفِ بَقَوْلِهِ وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً.
وَالْأَزْوَاجُ: جَمْعُ زَوْجٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْضَمُّ إِلَى فَرْدٍ فَيَصِيرُ كِلَاهُمَا زَوْجًا لِلْآخَرِ وَالْمُرَادُ هُنَا: الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنَ النَّاسِ، أَيْ جَعَلَ لِمَجْمُوعِكُمْ أَزْوَاجًا، فَلِلذُّكُورِ أَزْوَاجٌ مِنَ الْإِنَاثِ، وَلِلنِّسَاءِ أَزْوَاجٌ مِنَ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْجَعْلِ حَصَلَتْ لَذَّةُ التَّأَنُّسِ وَنِعْمَةُ النَّسْلِ.
وَمَعْنَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ مِنْ نَوْعِكُمْ، وَمِنْ بَعْضِكُمْ، كَقَوْلِهِ: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: ٦١] وَقَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النِّسَاء: ٢٩] . وَكَوْنُ الْأَزْوَاجِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَالٌ فِي
النِّعْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ لَفَاتَ نَعِيمُ الْأُنْسِ، وَأَمَّا زَعْمُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَزَوَّجُ جِنِّيَّةً أَوْ غُولًا فَذَلِكَ مِنَ التَّكَاذِيبِ وَتَخَيُّلَاتِ بَعْضِهِمْ، وَرُبَّمَا عَرَضَ لِبَعْضِ النَّاسِ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ خَاصٌّ بِذَلِكَ فَتَخَيَّلَ ذَلِكَ وَتَحَدَّثَ بِهِ فَرَاجَ عَنْ كُلِّ أَبْلَهَ.
وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً عَطْفٌ عَلَى أَزْواجاً الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَفْعُولٍ لِ جَعَلَ وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلَ مِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا، أَيْ جَعَلَ مِنْهَا أَزْوَاجًا بَعْضَهَا لِبَعْضٍ.
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ دُونَ أَزْوَاجِ الْوَحْشِ: أَنَّ فِي أَنْوَاعِ الْأَنْعَامِ فَائِدَةً لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا تَعِيشُ مَعَهُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَلُحُومِهَا وَنَسْلِهَا وَعَمَلِهَا مِنْ حَمْلٍ وَحَرْثٍ، فَبِجَعْلِهَا أَزْوَاجًا حَصَلَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا لِلْإِنْسَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute