للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جِهَةِ الدَّاعِي لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الْإِسْرَاء: ٩٤] ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ مِنْ عُظَمَاءِ الْقَرْيَتَيْنِ لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] .

وِجِهَةِ مَا بِهِ الدَّعْوَةُ فَإِنَّهُمْ حَسِبُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُخَاطب الرّسل إِلَّا بِكِتَابٍ يُنَزِّلُهُ إِلَيْهِ دَفْعَةً

مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ (١) حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاء: ٩٣] وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا [الْفرْقَان: ٢١] وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ [الْبَقَرَة: ١١٨] وَالْقَائِلُونَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ.

وَمِنْ جِهَةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّعْوَةُ مِمَّا لَمْ تُسَاعِدْ أَهْوَاؤُهُمْ عَلَيْهِ قَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: ٥] هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ: ٧] . وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي تَدْعُوهُمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ الدَّعْوَةِ وَاسْتِمْرَارِهَا.

اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ مَنْ يَسْأَلُ: كَيْفَ كَبُرَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ، بِأَنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مَنْ يَشَاءُ، فَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِبُوا مِنْ هُدَى اللَّهِ غَيْرُ مُجْتَبَيْنَ إِلَى اللَّهِ إِذْ لَمْ يَشَأِ اجْتِبَاءَهُمْ، أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُمْ الِاهْتِدَاءَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا عَلَى إِحْدَى شُبْهِهِمُ الْبَاعِثَةِ عَلَى إِنْكَارِهِمْ رِسَالَتَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ عَوَائِدِكُمْ فِي الزَّعَامَةِ وَالِاصْطِفَاءِ.

وَالِاجْتِبَاءُ: التَّقْرِيبُ وَالِاخْتِيَارُ قَالَ تَعَالَى: قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها [الْأَعْرَاف: ٢٠٣] .

وَمَنْ يَشَاءُ اللَّهُ اجْتِبَاءَهُ مَنْ هَدَاهُ إِلَى دِينِهِ مِمَّنْ يُنِيبُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ خَلْقِهِ.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَهُوَ اسْمُ الْجَلَالَةِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَحَالُوا رِسَالَةَ بَشَرٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَحِينَ أَكْبَرُوا أَنْ يَكُونَ الضَّعَفَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا مِنْهُمْ


(١) فِي المطبوعة لَك وَهُوَ خطأ.