فَضَمِيرُ مِنْ بَعْدِهِمْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ تَفَرَّقُوا وَهُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بَقَوْلِهِ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: ١٣] .
وظرفية قَوْله: لَفِي شَكٍّ ظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، شَبَّهَ تَمَكُّنَ الشَّكِّ مِنْ نُفُوسِهِمْ بِإِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ مَجَازِيٌّ مَعْنَاهُ الْمُصَاحَبَةُ وَالْمُلَابَسَةُ، أَيْ شَكٌّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَوْ فِي شَكٍّ بِسَبَبِهِ. فَفِي حَرْفِ (مِنْ) اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَقَعَ حَرْفُ (مِنْ) مَوْقِعَ بَاءِ الْمُصَاحَبَةِ أَوِ السَّبَبِيَّةِ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ لِلِاهْتِمَامِ وَمُجَرَّدِ تَحْقِيقه للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا الِاهْتِمَامُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحْرِيضِ لِلْحَذَرِ مِنْ مَكْرِهِمْ وَعَدَمِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ لِظُهُورِ عَدَاوَتِهِمْ لِئَلَّا يَرْكَنُوا إِلَيْهِمْ، وَلَعَلَّ الْيَهُودَ قَدْ أَخَذُوا يَوْمَئِذٍ فِي تَشْكِيكِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَطُوا بِهِمْ فِي مَكَّةَ لِيَتَطَلَّعُوا حَالَ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ الَّذِي يَلْتَئِمُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَمَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ [الشورى: ١٥] الْآيَةَ.
وَالْمُرِيبُ: الْمُوجِبُ الرَّيْبَ وَهُوَ الِاتِّهَامُ. فَالْمَعْنَى: لَفِي شَكٍّ يُفْضِي إِلَى الظِّنَّةِ وَالتُّهْمَةِ، أَيْ شَكٍّ مَشُوبٍ بِتَكْذِيبٍ، فَ مُرِيبٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَرَابَ الَّذِي هَمْزَتُهُ لِلتَّعْدِيَةِ،
أَيْ جَاعِلُ الرَّيْبِ، وَلَيْسَتْ هَمْزَةُ أَرَابَ الَّتِي هِيَ لِلْجَعْلِ فِي قَوْلِهِمْ: أَرَابَنِي بِمَعْنَى أَوْهَمَنِي مِنْهُ رِيبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ بِذِي رَيْبٍ، كَمَا فِي قَوْلِ بَشَّارٍ:
أَخُوكَ الَّذِي إِنْ رِبْتَهُ قَالَ إِنَّمَا ... أَرَبْتَ وَإِنْ عَاتَبْتَهُ لَانَ جَانِبُهُ
عَلَى رِوَايَةِ فَتْحِ التَّاءِ مِنْ أَرَبْتَ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ فِي سُورَة هود [٦٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute