وَكَقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ: نَحْنُ الَّذِينَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَوْلِهِمْ: كِتَابُنَا أَسْبَقُ مِنْ كِتَابِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحُجَّةِ عَلَى شُبُهَاتِهِمْ مُجَارَاةٌ لَهُمْ بِطَرِيقِ التَّهَكُّمِ، وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
وَمَفْعُولُ يُحَاجُّونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ:
يُحَاجُّونَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتَجَابُوا لَهُ، أَيِ اسْتَجَابُوا لِدَعْوَتِهِ عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَذَفَ فَاعِلَ اسْتُجِيبَ إِيجَازًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بَعْدِ حُصُولِ الِاسْتِجَابَةِ الْمَعْرُوفَةِ.
وَالدَّاحِضَةُ: الَّتِي دَحَضَتْ بِفَتْحِ الْحَاءِ، يُقَالُ: دَحَضَتْ رِجْلُهُ تَدْحَضُ (بِفَتْحِ الْحَاءِ) دُحُوضًا، أَيْ زَلَّتِ. اسْتُعِيرَ الدَّحْضُ لِلْبُطْلَانِ بِجَامِعِ عَدَمِ الثُّبُوتِ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْقَدَمُ فِي الْمَكَانِ الدَّحْضِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ دَحْضِهَا اكْتِفَاءً بِمَا بَيَّنَ فِي تَضَاعِيفِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى فَسَادِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، وَعَلَى صدق الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ، وَبِمَا ظَهَرَ لِلْعِيَانِ مَنْ تَزَايُدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِمْ.
وَالْغَضَبُ: غَضَبُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا نُكِّرَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّتِهِ. وَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِضَافَتِهِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ أَوْ ضَمِيرِهِ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ مِنْ قَوْلِهِ: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَالتَّقْدِيرُ:
وَعَلَيْهِم غضب مِنْهُ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُسْنَدَ عَلَى الْمَسْنَدِ إِلَيْهِ بَقَوْلِهِ: وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ لِلِاهْتِمَامِ بِوُقُوعِ الْغَضَبِ عَلَيْهِمْ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ عَذَابُ السَّيْفِ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ يَوْم بدر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute