للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (عِبَادِهِ) عَامٌّ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ، وَهُمْ نَوْعُ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ. وَجُمْلَةُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ عَنْهُ.

وَالرِّزْقُ: إِعْطَاءُ مَا يَنْفَعُ. وَهُوَ عِنْدَنَا لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلَالِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يَخْتَصُّ بِهِ وَالْخِلَافُ اصْطِلَاحٌ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ هَنَا رِزْقُ الدُّنْيَا لِأَنَّ الْكَلَامَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ [الشورى: ٢٠] .

وَالْمَشِيئَةُ: مَشِيئَةُ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ لِيَكُونَ عُمُومُ اللُّطْفِ لِلْعِبَادِ بَاقِيًا، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: مَنْ يَشاءُ فِي مَعْنَى التَّكْرِيرِ، إِذْ يَصِيرُ هَكَذَا يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمَلْطُوفِ بِجَمِيعِهِمْ، وَمَا الرِّزْقُ إِلَّا مِنَ اللُّطْفِ، فَيَصِيرُ بَعْضَ الْمَعْنَى الْمُفَادِ، فَلَا جَرَمَ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ هُنَا مَصْرُوفَةٌ لِمَشِيئَةِ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ بِمَقَادِيرِهِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لِلُطْفِهِ بِجَمِيعِ عِبَادِهِ لَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِلَا رِزْقٍ وَأَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ جَرْيًا عَلَى مَشِيئَتِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يُثِيرُ مَسْأَلَةَ الْخلاف بَين أيمة أُصُولِ الدِّينِ فِي نِعْمَةِ الْكَافِرِ، وَمِنْ فُرُوعِهَا رِزْقُ الْكَافِرِ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً لِأَنَّ مَلَاذَ الْكَافِرِ اسْتِدْرَاجٌ لَمَّا كَانَتْ مُفْضِيَةً إِلَى الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ فَكَانَتْ غَيْرَ نِعْمَةٍ، وَمُرَادُهُمْ بِالدُّنْيَوِيَّةِ مُقَابِلُ الدِّينِيَّةِ. وَكَأَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ بِهَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى غَضَبِ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ كَمَا جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَمُرَادُهُ: أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ نعْمَة رضى وَكَرَامَةً وَلَكِنَّهَا نِعْمَةُ رَحْمَةٍ لِمَا لَهُ مِنِ انْتِسَابِ الْمَخْلُوقِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: الْكَافِرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً وَدِينِيَّةً: فَالدُّنْيَوِيَّةُ ظَاهِرَةٌ، وَالدِّينِيَّةُ كَالْقُدْرَةِ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ.

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَرْجَعَ الْمُحَقِّقُونَ الْخِلَافَ فِيهَا إِلَى اللَّفْظِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْمُصْطَلَحَاتِ