فَحَصَلَتْ فِي جُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ أَرْبَعُ مُبَالَغَاتٍ: بِنَاءُ الْجُمْلَةِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَعَلَى الْمَوْصُولِيَّةِ وَعَلَى الْمُضَارِعِيَّةِ، وَعَلَى تَعْدِيَةِ فِعْلِ الصِّلَةِ بِ عَنْ دُونَ (مِنْ) .
والتَّوْبَةَ: الْإِقْلَاعُ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ امْتِثَالًا لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٧] . وَقَبُولُ التَّوْبَةِ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمَا رَضِيَ عَنِ الَّذِي اقْتَرَفَ الْجَرِيمَةَ وَلَكِنَّهُ جَعَلَهَا مَقْبُولَةً لِحِكْمَتِهِ وَفَضْلِهِ.
وَفِي ذِكْرِ اسْمِ الْعِبَادِ دُونَ نَحْوِ: النَّاسِ أَوِ التَّائِبِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ لِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّ الْخَالِقَ وَالصَّانِعَ يُحِبُّ صَلَاحَ مَصْنُوعِهِ.
وَالْعَفْوُ: عَدَمُ مُؤَاخَذَةِ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ. وَالسَّيِّئَاتُ: الْجَرَائِمُ لِأَنَّهَا سَيِّئَةٌ عِنْدَ الشَّرْعِ.
وَالْعَفْوُ عَنِ السَّيِّئَاتِ يَكُونُ بِسَبَبِ التَّوْبَةِ بِأَنْ يَعْفُوَ عَنِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي اقْتَرَفَهَا الْعَاصِي قَبْلَ تَوْبَتِهِ، وَيَكُونُ بِدُونِ ذَلِكَ مِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ عَقِبَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ السَّيِّئَاتِ لِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ بِأَنْ يُمْحَى عَنِ الْعَاصِي مِنْ سَيِّئَاتِهِ مَا يُقَابِلُ مِقْدَارًا مِنْ حَسَنَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي السَّيِّئاتِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشِّرْكِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النِّسَاء: ٤٨] وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ عَنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ فَيَعُمَّ جَمِيعَ الْعِبَادِ عُمُومًا مَخْصُوصًا بِالْأَدِلَّةِ لِهَذَا الْحُكْمِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَجُمْلَةُ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا يَفْعَلُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، أَيْ مَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْإِجَابَةِ، وَخُصَّتِ الِاسْتِجَابَةُ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِامْتِثَالِ الدَّعْوَةِ أَوِ الْأَمْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute