وَ (مِنَ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ. وَالْمَعْنَى: يَنْظُرُونَ نَظَرًا مُنْبَعِثًا مِنْ حَرَكَةِ الْجَفْنِ الْخَفِيَّةِ. وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَنْظُرُونَ لِلتَّعْمِيمِ أَيْ يَنْظُرُونَ الْعَذَابَ، وَيَنْظُرُونَ أَهْوَالَ الْحَشْرِ وَيَنْظُرُونَ نَعِيمَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرَفٍ خَفِيٍّ.
وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ.
يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ لَا لِلْعَطْفِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي تَراهُمْ، أَيْ تَرَاهُمْ فِي حَالِ الْفَظَاعَةِ الْمُلْتَبِسَيْنِ بِهَا، وَتَرَاهُمْ فِي حَالِ سَمَاعِ الْكَلَامِ الذَّامِّ لَهُمُ الصَّادِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ. وَحُذِفَتْ (قَدْ) مَعَ الْفِعْلِ الْمَاضِي لِظُهُورِ قَرِينَةِ الْحَالِ.
وَهَذَا قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُطَمَئِنِّينَ مِنَ الْأَهْوَالِ شَاكِرِينَ مَا سَبَقَ
مِنْ إِيمَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا عَارِفِينَ بِرِبْحِ تِجَارَتِهِمْ وَمُقَابِلِينَ بِالضِّدِّ حَالَةَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ كَانُوا سَبَبًا فِي خَسَارَتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ هَذَا بِمَسْمَعٍ مِنَ الظَّالِمِينَ فَيَزِيدُ الظَّالِمِينَ تَلْهِيبًا لِنَدَامَتِهِمْ وَمَهَانَتِهِمْ وَخِزْيِهِمْ. فَهَذَا الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِظْهَارِ الْمَسَرَّةِ وَالْبَهْجَةِ بِالسَّلَامَةِ مِمَّا لَحِقَ الظَّالِمِينَ، أَيْ قَالُوهُ تَحَدُّثًا بِالنِّعْمَةِ وَاغْتِبَاطًا بِالسَّلَامَةِ يَقُولُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَوْ يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَإِنَّمَا جِيءَ بِحَرْفِ إِنَّ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَالسَّامِعَ لَا يَشُكُّ فِيهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْكَلَامِ إِذْ قَدْ تَبَيَّنَتْ سَعَادَتُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَتَوْفِيقُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمُشَاهَدَةِ ضِدِّ ذَلِكَ فِي مُعَانَدِيهِمْ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْخاسِرِينَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ لَا غَيْرُهُمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute