للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَمْسِينَ صَلَاةً ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ مِنْهَا حَتَّى بَلَغَتْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَأَنَّهُ سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: «أَتْمَمْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي»

. وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ سُورَةُ النَّجْمِ [٦، ١٢] بَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالْوَاسِطِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ فضل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ مِنْ أَفْضَلِ مَا أَعْطَاهُ رُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ جَمِيعًا.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ الْمَلَكَ إِلَى النَّبِيءِ فَيُبَلِّغُ إِلَيْهِ كَلَامًا يَسْمَعُهُ النَّبِيءُ وَيَعِيهِ، وَهَذَا هُوَ غَالِبُ مَا يُوَجَّهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى فِي ذكر زَكَرِيَّاء فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى [آل عمرَان: ٣٩] ، وَقَالَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات: ١٠٤، ١٠٥] وَهَذَا الْكَلَامُ يَأْتِي بِكَيْفِيَّةٍ

وصفهَا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَارِثِ بن هِشَامٍ وَقَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ «كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟

فَقَالَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ أَيْ عَنْ جِبْرِيلَ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ»

. فَالرَّسُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا: هُوَ الْمَلَكُ جِبْرِيلُ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ:

فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ سَمَّى هَذَا الْكَلَامَ وَحْيًا عَلَى مُرَاعَاةِ الْإِطْلَاقِ الْقُرْآنِيِّ الْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْم:

٣- ٥] وَهُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا وَحْياً بِقَرِينَةِ التَّقْسِيمِ وَالْمُقَابَلَةِ.

وَمِنْ لَطَائِفِ نَسْجِ هَذِهِ الْآيَةِ تَرْتِيبُ مَا دَلَّ عَلَى تَكْلِيمِ اللَّهِ الرُّسُلَ بِدَلَالَاتٍ فَجِيءَ بِالْمَصْدَرِ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ: إِلَّا وَحْياً وَجِيءَ بِمَا يُشْبِهُ الْجُمْلَةَ ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْ وَراءِ حِجابٍ، وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ ثَالِثًا بَقَوْلِهِ: يُرْسِلَ رَسُولًا. وَقَرَأَ نَافِعٌ أَوْ يُرْسِلَ بِرَفْعِ يُرْسِلَ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ هُوَ