للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَوْ نَصَّ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الْعَذَابِ» ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ لَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا.

وَقَوْلُهُ: أَنَّ الْقُوَّةَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّ وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الْعَذابَ أَوْ مِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْبَدَلِ لِطُولِ الْبَدَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ لَامِ التَّعْلِيلِ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَالتَّعْلِيلُ بِمَضْمُونِ الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ أَيْ لَرَأَيْتَ مَا هُوَ هَائِلٌ لِأَنَّهُ عَذَابُ اللَّهِ وَلِلَّهِ الْقُوَّةُ جَمِيعًا.

وَجَمِيعًا اسْتُعْمِلَ فِي الْكَثْرَة والشدة فَقُوَّةُ غَيْرِهِ كَالْعَدَمِ وَهَذَا كَاسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الْكَثْرَةِ فِي مَعْنَى الْقُوَّةِ وَأَلْفَاظِ الْقِلَّةِ فِي مَعْنَى الْوَهَنِ كَمَا فِي قَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا:

قَلِيلُ التَّشَكِّي لِلْمُلِمِّ يُصِيبُهُ ... كَثِيرُ الْهَوَى شَتَّى النَّوَى وَالْمَسَالِكِ

أَرَادَ شَدِيدَ الْغَرَامِ.

وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ أَنَّ الْقُوَّةَ بِكَسْر الْهمزَة عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَاذَا أَرَى وَمَا هَذَا التَّهْوِيلُ؟ فَقِيلَ: إِنَّ الْقُوَّةَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا حِينَئِذٍ لِلتَّعْلِيلِ الَّتِي تُغْنِي غَنَاءَ الْفَاءِ كَمَا هِيَ فِي قَوْلِ بَشَّارٍ:

إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ

لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَوَاقِعِ احْتِيَاجِ مَا قَبْلَهَا لِلتَّعْلِيلِ حَتَّى تَكُونَ صَرِيحَةً فِيهِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ إِذْ يُرِيهِمُ اللَّهُ الْعَذَابَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ [الْبَقَرَة: ١٦٧] .

وَانْتَصَبَ (جَمِيعًا) عَلَى التَّوْكِيدِ لِقَوْلِهِ (الْقُوَّةَ) أَيْ جَمِيعَ جِنْسِ الْقُوَّةِ ثَابِتٌ لِلَّهِ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقُوَّةِ غَيْرِهِ فَمَفَادُ جَمِيعٍ هُنَا مَفَادُ لَامِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] .

وَقَدْ جَاءَ (لَوْ) فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ بِشَرْطِ مُضَارِعٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْجُمْهُورِ مِنَ النُّحَاةِ أَنَّ لَوْ لِلشَّرْطِ فِي الْمَاضِي وَأَنَّ الْمُضَارِعَ إِذَا وَقَعَ شَرْطًا لَهَا يُصْرَفُ إِلَى مَعْنَى الْمَاضِي إِذَا أُرِيدَ اسْتِحْضَارُ حَالَةٍ مَاضِيَةٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا مُتَعَيِّنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ فَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ بِالْمَاضِي فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهِ وَتَكَلَّفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كَمَا وَقَعَ لِصَاحِبِ «الْمِفْتَاحِ» ، وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّ لَو حرف بِالْمَعْنَى إِنَّ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ لَا لِلِامْتِنَاعِ، وَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «التسهيل» و «الْخُلَاصَة» إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَهُوَ يُرِيدُ الْقلَّة النسبية بِالنِّسْبَةِ لِوُقُوعِ الْمَاضِي وَإِلَّا فَهُوَ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ وَفَصِيحِ الْعَرَبِيَّةِ.