للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمَرْكُوبِ حِينَمَا يَقُولُ الرَّاكِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ سفينة.

والتسخير: التذييل وَالتَّطْوِيعُ. وَتَسْخِيرُ اللَّهِ الدَّوَابَّ هُوَ خَلْقُهُ إِيَّاهَا قَابِلَةً لِلتَّرْوِيضِ فَاهِمَةً لِمُرَادِ الرَّاكِبِ، وَتَسْخِيرُ الْفُلْكِ حَاصِلٌ بِمَجْمُوعِ خَلْقِ الْبَحْرِ صَالِحًا لَسَبْحِ السُّفُنِ عَلَى مَائِهِ، وَخَلْقِ الرِّيَاحَ تَهُبُّ فَتَدْفَعُ السُّفُنَ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلْقِ حِيلَةِ الْإِنْسَانِ لِصُنْعِ الْفُلْكِ، وَرَصْدِ مَهَابِّ الرِّيَاحِ، وَوَضْعِ الْقُلُوعِ وَالْمَجَاذِيفِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ قُوَّةُ الْإِنْسَانِ دُونَ أَنْ تَبْلُغَ اسْتِخْدَامَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَوِيَّةِ. وَلِهَذَا عَقَّبَ بَقَوْلِهِ: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أَيْ مُطِيقِينَ، أَيْ بِمُجَرَّدِ الْقُوَّةِ الْجَسَدِيَّةِ، أَيْ لَوْلَا التَّسْخِيرُ الْمَذْكُورُ، فَجُمْلَةُ وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَنا أَيْ سَخَّرَهَا لَنَا فِي حَالِ ضَعْفِنَا بِأَنْ كَانَ تَسْخِيرُهُ قَائِمًا مَقَامَ الْقُوَّةِ.

وَالْمُقْرِنُ: الْمُطِيقُ، يُقَالُ: أَقْرَنَ، إِذَا أَطَاقَ، قَالَ عَمْرو بن معديكرب:

لَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ مَا عُقَيْلٌ ... لَنَا فِي النَّائِبَاتِ بِمُقْرِنِينَا

وَخُتِمَ هَذَا الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ بِالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ مَرْجِعَنَا إِلَى اللَّهِ، أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْبَعْثِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذَا إِدْمَاجٌ لِتَلْقِينِهِمُ الْإِقْرَارَ بِالْبَعْثِ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِسُؤَالِ إِرْجَاعِ الْمُسَافِرِ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إِرْجَاعِ الْأَمْوَاتِ إِلَى الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُرْجَى لِإِرْجَاعِ الْمُسَافِرِ سَالِمًا إِلَى أَهْلِهِ.

وَالِانْقِلَابُ: الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُفَارِقُهُ. وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ التَّنْزِيهِ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِتَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ بِالْإِشْرَاكِ وَبِنِسْبَةِ الْعَجْزِ عَنِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَشْكُرُوا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فَلَمْ تَفْعَلُوا، وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَا الْمَعْنَى أَكَّدَ الْخَبَرَ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَمَا شَكَرُوا لِلَّهِ مَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ.