وَاللَّامُ فِي لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ لَامُ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ. وَتَوْجِيهُ الْأَمْرِ إِلَى الْغَائِبِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَعْنَى التَّبْلِيغِ كَمَا هُنَا، أَوْ تَنْزِيلِ الْحَاضِرِ مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ لِاعْتِبَارٍ مَا مِثْلَ التَّعْظِيمِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْوَزِيرِ لِلْخَلِيفَةِ: لِيَرَ الْخَلِيفَةُ رَأْيَهُ.
وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى: الْإِمَاتَةِ كَقَوْلِهِ: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [الْقَصَص: ١٥] ، سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُمُ الْحَيَاةَ لِيَسْتَرِيحُوا مِنْ إِحْسَاسِ الْعَذَابِ. وَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُمِيتَهُمْ فَأُجِيبُوا بِأَنَّهُمْ مَاكِثُونَ جَوَابًا جَامِعًا لِنَفْيِ الْإِمَاتَةِ وَنَفْيِ الْخُرُوجِ فَهُوَ جَوَابٌ قَاطِعٌ لِمَا قَدْ يَسْأَلُونَهُ مِنْ بَعْدُ.
وَمِنَ النَّوَادِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ (وَنَادَوْا يَا مَالِ) بِحَذْفِ الْكَافِ عَلَى التَّرْخِيمِ، فَذُكِرَتْ قِرَاءَتُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا كَانَ أَشْغَلَ أَهْلَ النَّارِ عَنِ التَّرْخِيمِ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَعَنْ بَعْضِهِمْ: حَسَّنَ التَّرْخِيمَ أَنَّهُمْ يَقْتَطِعُونَ بَعْضَ الِاسْمِ لِضَعْفِهِمْ وَعِظَمَ مَا هم فِيهِ اهـ. وَأَرَادَ بِبَعْضِهِمُ ابْنَ جِنِّي فِيمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَنَّ ابْنَ جِنِّي قَالَ:
وَلِلتَّرْخِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سِرٌّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لِعِظَمِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ضَعُفَتْ وَذُلَّتْ أَنْفُسُهُمْ وَصَغُرَ كَلَامُهُمْ فَكَانَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاخْتِصَارِ. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ سَمِعت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنادَوْا يَا مالِكُ بِإِثْبَاتِ الْكَافِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقِرَاءَةُ (وَنَادَوْا يَا مَالِ) رَوَاهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيكون النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالْوَجْهَيْنِ وَتَوَاتَرَتْ قِرَاءَةُ إِثْبَاتِ الْكَافِ وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى مَرْوِيَّةً بِالْآحَادِ فَلَمْ تَكُنْ قُرْآنًا.
وَجُمْلَةُ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ إِلَى آخِرِهَا فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ الِاسْتِدْرَاكُ بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.
وَضَمِيرُ جِئْناكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْحَقُّ: الْوَحْيُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ فَنَسَبَ مَالِكٌ الْمَجِيءَ بِالْحَقِّ إِلَى جَمْعِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقَةِ اعْتِزَازِ الْفَرِيقِ وَالْقَبِيلَةِ بِمَزَايَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute