للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إِنَّهَا لِلْحَالِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ جِنِّي وَالْمَرْزُوقِيُّ وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي «شَرْحِ الْحَمَاسَةِ» عِنْدَ قَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:

لَيْسَ الْجَمَالُ بِمِئْزَرٍ ... فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا

وَنَحْوٌ مِنْهُ بَيْتُ «الْكِتَابِ» :

عَاوِدْ هَرَاةَ وَإِنْ مَعْمُورُهَا خَرِبَا (١) وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ وَمَا بَعْدَهَا مَنْصُوبَةُ الْمَوْضِعِ بِعَاوِدْ كَمَا أَنَّهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدًا مَنْصُوبَةُ الْمَوْضِعِ بِمَا قَبْلَهَا وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا: أَزُورُكَ رَاغِبًا فِيَّ وَأُحْسِنُ إِلَيْكَ شَاكِرًا إِلَيَّ، فَرَاغِبًا وَشَاكِرًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ بِمَا قَبْلَهُمَا وَهُمَا فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَا قَبْلَهُمَا نَائِبٌ عَنِ الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ لَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ رَغِبْتَ فِيَّ زُرْتُكَ وَإِنْ شَكَرْتَنِي أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ، وَسَأَلْتُ مَرَّةً أَبَا عَلِيٍّ عَنْ قَوْلِهِ:

عَاوِدْ هَرَاةَ وَإِنْ مَعْمُورُهَا خَرِبًا

كَيْفَ مَوْقِعُ الْوَاوِ هُنَا وَأَوْمَأْتُ فِي ذَلِكَ لَهُ إِلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَرَأَيْتُهُ كَالْمُصَانِعِ فِي الْجَوَابِ لَا قُصُورًا بِحَمْدِ اللَّهِ عَنْهُ وَلَكِنْ فُتُورًا عَنْ تَكَلُّفِهِ فَأَجْمَمْتُهُ، وَقَالَ الْمَرْزُوقِيُّ هُنَالِكَ:

قَوْلُهُ: «وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدًا» فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ جَمَالُكَ بِمِئْزَرٍ مُرَدًّى مَعَهُ بُرْدٌ وَالْحَالُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ مَعْنَى الْحَالِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِكَ لَأَفْعَلَنَّهُ كَائِنًا مَا كَانَ أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا أَوْ إِنْ كَانَ ذَاكَ، وَالثَّانِي كَبَيْتِ «الْكِتَابِ» :

عَاوِدْ هراة وَإِن معمورا خَرِبًا

لِأَنَّ الْوَاوَ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَمْرٍو وَفِيهِ لَفْظُ الشَّرْطِ وَمَعْنَاهُ وَمَا قَبْلَهُ نَائِبٌ عَنِ الْجَوَابِ، وَتَقْدِيرُهُ: إِنْ مَعْمُورُهَا خَرِبَا فَعَاوِدْهَا وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدًا عَلَى مِئْزَرٍ فَلَيْسَ الْجَمَالُ بِذَلِكَ» اه.

وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي نَظِيرَتِهَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: «الْوَاوُ


(١) هُوَ لرجل من ربيعَة قَالَه يرثي زوجه فِي وَاقعَة فتح عبد الله بن خازم هراة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَبعده قَوْله:
وأسعد الْيَوْم مشغوفا إِذا طَربا
وارجع بطرفك نَحْو الخندقين ترى ... رزءا جَلِيلًا وأمرا مفظعا عجبا

هاما تزقّى وأوصالا مفرّقة ... ومنزلا مقفرا من أَهله خربا