للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُشْرِكِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ كَمَا اسْتَعَاذَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الْأَعْرَاف: ١٥٥] . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ سَيُخْرِجُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ بِأَهْلِهَا هَذَا الْعَذَابُ، فَهَذَا التَّلْقِينُ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [الْبَقَرَة:

٢٨٦] الْآيَاتِ. وَعَلَيْهِ فَجُمْلَةُ إِنَّا مُؤْمِنُونَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ دَفْعِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ، أَيْ إِنَّا مُتَلَبِّسُونَ بِمَا يَدْفَعُ عَنَّا عَذَابَ الْكَافِرِينَ، وَفِي تَلْقِينِهِمْ بِذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِشَرَفِ الْإِيمَانِ، وَأُسْلُوبُ الْكَلَامِ جَارٍ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ كَشْفِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ لِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ حَرْفِ (إِنَّ) مِنْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ دُونَ الْوَعْدِ، وَمِنَ التَّعْلِيلِ دُونَ التَّأْكِيدِ، وَلِمَا يَقْتَضِيهِ اسْم الْفَاعِل فِي زَمَنِ الْحَالِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ، وَلِأَنَّ سِيَاقَهُ خطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرَقُّبِ إِعَانَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، كَمَا كَانَ يَدْعُو «أَعْنِي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسِنِي يُوسُفَ» فَمُقْتَضَى الْمَقَامِ تَأْمِينُهُ مِنْ أَنْ يُصِيبَ الْعَذَابُ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمْ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَاهِرُ مَادَّةِ الْكَشْفِ تَقْتَضِي إِزَالَةَ شَيْءٍ كَانَ حَاصِلًا فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنَّ الْكَشْفَ هُنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ كَانَ مَجَازُهُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي منع حُصُول شَيْء يُخْشَى حُصُولُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [يُونُس: ٩٨] فَإِنَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمْ يَحُلَّ بِهِمْ عَذَابٌ فَزَالَ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ تُوُعِّدُوا بِهِ فَبَادَرُوا بِالْإِيمَانِ فَنَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَقَوْلُ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ:

لَا يَكْشِفُ الْغَمَاءَ إِلَّا ابْنُ حُرَّةٍ ... يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا

أَرَادَ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ بِسُوءٍ، وَمُحْتَمِلًا لِلِاسْتِعْمَالِ فِي زَوَالِ شَيْءٍ كَانَ حَصَلَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ السِّيَرِ وَالْآثَارِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وعدوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ إِنْ أَزَالَ اللَّهُ عَنْهُم الْقَحْط.