للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَالِيَّةً وَكَوْنِهَا شَرْطِيَّةً، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُنَا وَحُسَّنَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ، وَوَجْهُ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَبْلَهُ إِذَا ذُكِرَ فِيهِ حُكْمٌ وَذُكِرَ مَعَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَكَانَ لِذَلِكَ السَّبَبِ أَفْرَادٌ أَوْ أَحْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِأَنْ تَتَخَلَّفَ السَّبَبِيَّةُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهَا مَعَهُ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِجُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِإِنْ أَوْ لَوْ دَلَالَةً عَلَى الرَّبْطِ وَالتَّعْلِيقِ بَيْنَ الْحَالَةِ الْمَظْنُونِ فِيهَا تَخَلُّفُ التَّسَبُّبِ وَبَيْنَ الْفِعْلِ الْمُسَبَّبِ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِ وَجُمْلَةَ الْجَزَاءِ تَدُلُّ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَيَسْتَغْنُونَ حِينَئِذٍ عَنْ ذِكْرِ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ أَصْلِ الْكَلَامِ الَّذِي عُقِّبَ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ.

وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا النَّوْعُ بِحَرْفَيْ (إِنْ- وَلَوْ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى نُدْرَةِ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوِ امْتِنَاعِهِ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ نَادِرَ الْحُصُولِ جَاءُوا مَعَهُ بِإِنْ كَبَيْتِ عَمْرٍو، وَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعَ الْحُصُولِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ جَاءُوا مَعَهُ بِلَوْ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِلَوْ لِشَرْطٍ شَدِيدِ النُّدْرَةِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْمُمْتَنِعِ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ لَوْ مَعَهُ مَجَازًا مُرْسَلًا تَبَعِيًّا.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ (إِنْ- وَلَوْ) فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ خَرَجَتَا عَنِ الشُّرْطِيَّةِ إِلَى مَعْنًى جَدِيدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الْأَحْزَاب: ٥٢] أَنَّ لَوْ فِيهِ لِلْفَرْضِ إِذْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: مَفْرُوضًا إِعْجَابَكَ حُسْنُهُنَّ، وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» هُنَا إِنَّ الشَّرْطَ فِي مِثْلِهِ لِمُجَرَّدِ التَّسْوِيَةِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي جَوَابًا عَلَى الصَّحِيحِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ وَإِنَّمَا يُقَدِّرُونَ الْجَوَابَ تَوْضِيحًا لِلْمَعْنَى وَتَصْوِيرًا لَهُ اه. وَسَمَّى الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ النُّحَاةِ (إِنْ- وَلَوْ) هَاتَيْنِ وَصْلِيَّتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي «الْمُطَوَّلِ» بِأَنَّهُمَا لِمُجَرَّدِ الْوَصْلِ وَالرَّبْطِ فِي مَقَامِ التَّأْكِيدِ.

وَإِذْ قَدْ تَحَقَّقْتَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَدْ حَانَ أَنْ نُبَيِّنَ لَكَ وَجْهَ الْحَقِّ فِي الْوَاوِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ الَّذِي سَمِعْتَهُ، فَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَ الْوَاوِ مُعْتَبَرًا مِنْ جُمْلَةِ

الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا مِنْ كَلَامٍ آخَرَ فَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ لَا مَحَالَةَ عَطَفَتْ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَضْمُونِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى التَّلْقِينِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (١) [الزمر: ٤٣] وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، فَإِنَّ مَجِيءَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ


(١) فِي المطبوعة (قل أَو لَو كَانُوا لَا يعْقلُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ) وَلم أَجدهَا فِي «مُعْجم عبد الْبَاقِي» مَادَّة يعْقلُونَ ويهتدون.