لِجَزَائِهِمْ كُلِّهِمْ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ تَقْوِيَةً فِي الْوَعِيدِ وَتَأْيِيسًا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ.
ويَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ الْفَصْلِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَفَتْحَةُ يَوْمَ لَا يُغْنِي فَتْحَةُ إِعْرَابٍ لِأَنَّ يَوْمَ أُضِيفَ إِلَى جُمْلَةٍ ذَاتِ فِعْلٍ مُعْرَبٍ.
وَالْمَوْلَى: الْقَرِيبُ وَالْحَلِيفُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٥] . وَتَنْكِيرُ مَوْلًى فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، أَيْ لَا يُغْنِي أَحَدٌ مِنَ الْمَوَالِي كَائِنًا مَنْ كَانَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ مَوَالِيهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
وشَيْئاً مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ شَيْئاً مِنْ إِغْنَاءٍ. وَتَنْكِيرُ شَيْئاً لِلتَّقْلِيلِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي تَنْكِيرِ لَفْظِ شَيْءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ: ١٦] . وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ أَيْضًا، يَعْنِي أَيَّ إِغْنَاءٍ كَانَ فِي الْقِلَّةِ بَلْهَ الْإِغْنَاءِ الْكَثِيرِ. وَالْمَعْنَى:
يَوْمَ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّعْمِيمِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ فَائِدَةً إِذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ.
وَالْإِغْنَاءُ: الْإِفَادَةُ وَالنَّفْعُ بِالْكَثِيرِ أَوِ الْقَلِيلِ، وَضَمِيرًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ رَاجِعَانِ إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ أَهُمْ خَيْرٌ [الدُّخان: ٣٧] ، وَهُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ [الدُّخان: ٣٤] . وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الْمَظْنُونُ بِهِمْ ذَلِكَ وَلَا يَنْصُرُهُمْ مُقَيَّضُونَ آخَرُونَ لَيْسُوا مِنْ مَوَالِيهِمْ تَأْخُذُهُمُ الْحَمِيَّةُ أَوِ الْغَيْرَةُ أَوِ الشَّفَقَةُ فَيَنْصُرُونَهُمْ.
وَالنَّصْرُ: الْإِعَانَةُ عَلَى الْعَدْوِّ وَعَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْإِغْنَاءِ. فَعُطِفَ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ عَلَى لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً زِيَادَةً فِي نَفْيِ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ.
فَمُحَصَّلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي مُوَالٍ عَنْ مُوَالِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِغْنَاءِ حَسَبَ مُسْتَطَاعِهِ وَلَا يَنْصُرُهُمْ نَاصِرٌ شَدِيدُ الِاسْتِطَاعَةِ هُوَ أَقْوَى مِنْهُمْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ غَلَبَ الْقَوِيِّ عَلَيْهِمْ، فَاللَّهُ هُوَ الْغَالِبُ لَا يَدْفَعُهُ غَالِبٌ. وَبُنِيَ فِعْلُ يُنْصَرُونَ إِلَى الْمَجْهُولِ لِيَعُمَّ نَفْيَ كُلِّ نَاصِرٍ مَعَ إِيجَازِ الْعِبَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute