وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ غَيْرِ مَذْكُورٍ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله:
الْكِتابِ [الجاثية: ٢] أَيْ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةُ فِي الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ فِعْلِ نَتْلُوها فِي حَقِيقَتِهِ.
وَإِسْنَادُ التِّلَاوَةِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّهَ مُوجِدُ الْقُرْآنِ الْمَتْلُوِّ الدَّالِّ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ، وبَعْدَ هُنَا بِمَعْنَى (دُونَ) .
فَالْمَعْنَى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ دُونَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ فِي سُورَةِ الشُّورَى [٤٤] ، وَفِي الْأَعْرَافِ [١٨٥] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّأْيِيسِ وَالتَّعْجِيبِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
فَمِنْ أَيِّ مَا تَأْتِي الْحَوَادِثُ أَفْرَقُ وَإِضَافَةُ بَعْدَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ:
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ، وَالتَّقْدِيرُ: بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ، أَيْ بَعْدَ سَمَاعِهِ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدَ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعْلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلُ
أَيْ عَلَى مَخَافَةِ وَعْلٍ.
وَاسْمُ بَعْدَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ: الْكَلَامُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر:
٢٣] وَكَمَا وَقَعَ إِضَافَةُ حَدِيثٍ إِلَى ضَمِيرِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ [١٨٥] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ وَفِي آخِرِ الْمُرْسَلَاتِ [٥٠] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ.
وَعَطَفَ وآياتِهِ عَلَى حَدِيثٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْآيَاتُ غَيْرُ الْقُرْآنِ من دَلَائِل السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية: ٣] .