وَالشَّرِيعَةُ: الدِّينُ وَالْمِلَّةُ الْمُتَّبَعَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشَّرْعِ وَهُوَ: جَعْلُ طَرِيقٍ لِلسَّيْرِ، وَسُمِّيَ النَّهْجُ شَرْعًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ. وَسُمِّيَتْ شَرِيعَةُ الْمَاءِ الَّذِي يَرِدُهُ النَّاسُ شَرِيعَةً لِذَلِكَ، قَالَ الرَّاغِبُ: اسْتُعِيرَ اسْمُ الشَّرِيعَةِ لِلطَّرِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ تَشْبِيهًا بِشَرِيعَةِ الْمَاءِ قُلْتُ: وَوَجْهُ الشَّبَهِ مَا فِي الْمَاءِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَهِيَ الرَّيُّ وَالتَّطْهِيرُ.
والْأَمْرِ: الشَّأْنُ، وَهُوَ شَأْنُ الدِّينِ وَهُوَ شَأْن من شؤون اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] ، فَتَكُونُ مِنَ تَبْعِيضِيِّةٌ وَلَيْسَتْ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ آنِفًا وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ [الجاثية: ١٧] لِأَنَّ إِضَافَةَ شَرِيعَةٍ إِلَى الْأَمْرِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الْإِيجَازِ مَبْلَغًا عَظِيمًا إِذْ أَفَادَتْ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى، وَأَنَّهَا شَرِيعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا لَا يُزَعْزِعُهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّأَبِ فِي بَيَانِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا. وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ بِاتِّبَاعِهَا بِقَوْلِهِ: فَاتَّبِعْها أَيْ دُمْ عَلَى اتِّبَاعِهَا، فَالْأَمْرُ لِطَلَبِ الدَّوَامِ مِثْلُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء:
١٣٦] .
وَبَيْنَ قَوْلِهِ: فَاتَّبِعْها وَقَوْلِهِ: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مُحَسِّنُ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالِاتِّبَاعِ وَالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعٍ آخَرَ. والَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْوَاؤُهُمْ دِينُ الشِّرْكِ قَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] .
وَالْأَهْوَاءُ: جَمْعُ هَوًى، وَهُوَ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ دِينَهُمْ أَعْمَالٌ أَحَبُّوهَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهَا وَلَا اقْتَضَتْهَا الْبَرَاهِينُ.
وَالْخطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ: إِسْمَاعُ الْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا يطمعوا بمصانعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ حِينَ يَرَوْنَ مِنْهُ الْإِغْضَاءَ عَنْ هَفَوَاتِهِمْ وَأَذَاهُمْ وَحِينَ يَسْمَعُونَ فِي الْقُرْآنِ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ كَمَا فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية: ١٤] . وَفِيهِ أَيْضًا تَعْرِيضٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. وَعَنِ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute