فَأُطْلِقَ عَلَى اكْتِسَابِ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ كِلَابُ الصَّيْدِ جَوَارِحَ وَسُمِّي بِهِ اكْتِسَابُ النَّاسِ لِأَنَّ غَالِبَ كَسْبِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ مِنَ الْإِغَارَةِ عَلَى إِبِلِ الْقَوْمِ وَهِيَ بِالرِّمَاحِ، قَالَتْ أَمُّ زَرْعٍ: فَنَكَحَتْ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شريّا، وَأخذ خطبا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَلِذَلِكَ غَلَبَ إِطْلَاقُ الِاجْتِرَاحِ عَلَى اكْتِسَابِ الْإِثْمِ وَالْخَبِيثِ.
وَظَاهِرُ تَرْكِيبِ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
دَاخِلٌ فِي الْحُسْبَانِ الْمَنْكُورِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إِنْكَارُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَ الْمَمَاتِ، فَكَمَا خَالَفَ اللَّهُ بَيْنَ حَالَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَجَعَلَ فَرِيقًا كَفَرَةً مُسِيئِينَ وَفَرِيقًا مُؤْمِنِينَ مُحْسِنِينَ، فَكَذَلِكَ سَيُخَالِفُ بَيْنَ حَالَيْهِمْ فِي الْمَمَاتِ فَيَمُوتُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِذْ لَا يُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَيُلَاقُونَ بَعْدَ الْمَمَاتِ هَوْلَ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَمُوتُ الْمُؤْمِنُونَ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْبُشْرَى بِمَا وُعِدُوا بِهِ وَيُلَاقُونَ بَعْدَ الْمَمَاتِ ثَوَابَ اللَّهِ وَرِضْوَانَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَوَاءً مَرْفُوعًا فَيَكُونُ مَوْقِعُ جُمْلَةِ سَواءً مَحْياهُمْ
مَوْقِعَ الْبَدَلِ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى مِثْلِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» يُرِيدُ أَنَّهُ بَدَلٌ مُطَابِقٌ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ تُبْدَلُ مِنَ الْمُفْرَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْبَدَلُ الْمُطَابِقُ هُوَ عَطْفُ الْبَيَانِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
بَيَانُ مَا حَسِبَهُ الْمُشْرِكُونَ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفُ مَنْصُوبًا، فَلَفْظُ سَواءً
وَحْدَهُ بَدَلٌ مِنْ كَافِ الْمُمَاثِلَةِ، بَدَلٌ مُفْرَدٌ مِنْ مُفْرَدٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي نَجْعَلَهُمْ
. وَهَذَا لِأَنَّ
الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: سَنَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ خَيْرًا مِنْكُمْ كَمَا كُنَّا فِي الْحَيَاةِ خَيْرًا مِنْكُمْ.
فَضَمِيرُ مَحْياهُمْ
وَضَمِيرُ مَماتُهُمْ
عَائِدَانِ لِكُلٍّ مِنَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ وَالَّذِينَ آمَنُوا عَلَى التَّوْزِيعِ، أَيْ مَحْيَا كُلٍّ مُسَاوٍ لِمَمَاتِهِ، أَيْ لَا يَتَبَدَّلُ حَالُ الْفَرِيقَيْنِ بَعْدَ الْمَمَاتِ بَلْ يَكُونُونَ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَمَا كَانُوا فِي الْحَيَاةِ غَيْرَ أَنَ مَوْقِعَ كَافِ التَّمْثِيلِ فِي قَوْلِهِ:
كَالَّذِينَ آمَنُوا
لَيْسَ وَاضِحَ الْمُلَاقَاةِ لِحُسْبَانِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسَلَّطِ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا حَسِبُوا أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ الْمَمَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْبَعْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute