للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ نَنْساكُمْ ضَمِيرُ الْجَلَالَةِ وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ بِبِنَاءِ فِعْلِ وَقِيلَ لِلنَّائِبِ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ.

وَأُطْلِقَ النِّسْيَانُ عَلَى التَّرْكِ الْمُؤَبَّدِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الشَّيْءِ الْمَنْسِيِّ فِي مَحَلِّهِ أَوْ تَرْكَهُ عَلَى حَالَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسْيَانُ مُسْتَعَارًا لِلْإِهْمَالِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، أَيْ فَلَا تَتَعَلَّقُ الْإِرَادَةُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَعَلَى هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ يُفَسَّرُ مَعْنَى النِّسْيَانِ الثَّانِي.

وَالْكَافُ فِي كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [الْبَقَرَة: ١٩٨] ، أَيْ جَزَاءَ نِسْيَانِكُمْ هَذَا الْيَوْمَ، أَيْ إِعْرَاضِكُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ.

وَاللِّقَاءُ: وِجْدَانُ شَيْءٍ شَيْئًا فِي مَكَانٍ، وَهُوَ الْمُصَادَفَةُ يُقَالُ: لَقِيَ زَيْدُ عَمْرًا، وَلَقِيَ الْعُصْفُورُ حَبَّةً. وَلِقَاءُ الْيَوْمِ، أُطْلِقَ الْيَوْمُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ

الْمُرْسَلِ لِأَنَّهُ أَوْجَزُ مِنْ تَعْدَادِ الْأَهْوَالِ الْحَاصِلَةِ مُنْذُ الْبَعْثِ إِلَى قَضَاءِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ.

وَإِضَافَةُ يَوْمِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ فِي يَوْمِكُمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ ظَرْفٌ لِأَحْوَالٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمْ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٣] .

وَوَصْفُ الْيَوْمِ باسم الْإِشَارَة تَمْيِيزه أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ تَكْمِيلًا لِتَعْرِيفِهِ بِالْإِضَافَةِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمْ بِيَوْمٍ آخَرَ.

وَعُطِفَ وَمَأْواكُمُ النَّارُ عَلَى الْيَوْمَ نَنْساكُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ تَرْكَهُمْ فِي النَّارِ تَرْكٌ مُؤَبَّدٌ فَإِنَّ الْمَأْوَى هُوَ مَسْكَنُ الشَّخْصِ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ بَعْدَ أَعْمَالِهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ قَدْ أَوَيْتُمْ إِلَى النَّارِ فَأَنْتُمْ بَاقُونَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ قَرِيبًا، وَالْمَقْصُودُ تَخْطِئَةُ زَعْمِهِمُ السَّابِقِ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَنْفَعُهُمْ فِي الشَّدَائِدِ.

وذلِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى مَأْواكُمُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ ذَلِكُمُ الْمَأْوَى بِسَبَبِ