للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَادَّعُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ بِلَا دَلِيلٍ وَاخْتَارُوا الشُّرَكَاءَ مِنْ حِجَارَةٍ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوْجُودَاتِ عَنْ قَبُولِ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَالتَّصَرُّفِ ثُمَّ يَدْعُونَهَا فِي نَوَائِبِهِمْ وَهُمْ يُشَاهِدُونَ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تُجِيبُ ثُمَّ سَمِعُوا آيَاتِ الْقُرْآنِ تُوَضِّحُ لَهُمُ الذِّكْرَى بِنَقَائِصِ آلِهَتِهِمْ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهَا وَزَعَمُوا أَنَّهَا سِحْرٌ ظَاهِرٌ فَكَانَ ضَلَالُهُمْ أَقْصَى حَدٍّ فِي الضَّلَالِ.

ومَنْ لَا يَسْتَجِيبُ الْأَصْنَامُ عُبِّرَ عَنِ الْأَصْنَامِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُقَلَاءِ مُعَامَلَةً لِلْجَمَادِ مُعَامَلَةَ الْعُقَلَاءِ إِذْ أُسْنِدَ إِلَيْهَا مَا يُسْنَدُ إِلَى أُولِي الْعِلْمِ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَلِأَنَّهُ شَاعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِجْرَاؤُهَا مَجْرَى الْعُقَلَاءِ فَكَثُرَتْ فِي الْقُرْآنِ مُجَارَاةُ اسْتِعْمَالِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا جَعْلُ ضَمَائِرِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ وَقَوْلِهِ: غافِلُونَ وَهِيَ عَائِدَةٌ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ.

وَجَعْلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ غَايَةً لِانْتِفَاءِ الِاسْتِجَابَةِ. كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِغْرَاقِ مُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا. وَعُبِّرَ عَنْ نِهَايَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِ يَوْمِ الْقِيامَةِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَ بِالْخَبَرِ هُوَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ كَمَا

عَلِمَتْ وَهُمْ يَثْبُتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة.

وضميرا كانُوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يعودا إِلَى مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يُعَادُونَ أَصْنَامَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يَجِدُونَهَا مِنْ أَسْبَابِ شَقَائِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَا إِلَى مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ فَإِنَّ الْأَصْنَامَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطَى حَيَاةً يَوْمَئِذٍ فَتَنْطِق بالتبرّي عَن عُبَّادِهَا وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر: ١٤] وَقَالَ:

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ [الْفرْقَان: ١٧- ١٩] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ جَارِيًا عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ لِمُشَابَهَتِهَا لِلْأَعْدَاءِ وَالْمُنْكِرِينَ لِلْعِبَادَةِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَا يُفْضِي إِلَى شَقَائِهِمْ وَكَذِبِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: ١٠١] .

وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ إِلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.