الْفَاعِلُ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ بِالْكَلَامِ كَانَتْ لَوْلَا دَالَّةً على التوبيخ وَنَحْو إِذْ لَا طَائِلَ فِي تَحْضِيضِ الْمُخَاطَبِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا، كَقَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ ... يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أَنْ تُصْرَعُوا
وَعُومِلَتِ الْأَصْنَامُ مُعَامَلَةَ الْعُقَلَاءِ بِإِطْلَاقِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ عَلَيْهِمْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وقُرْباناً مُصْدَرٌ بِوَزْنِ غُفْرَانٍ، مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ حِكَايَةً لِزَعْمِهِمُ الْمَعْرُوفَ الْمَحْكِيَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] . وَهَذَا الْمَصْدَرُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ اتَّخَذُوا وَمَفْعُولِهِ، ومِنْ دُونِ اللَّهِ يَتَعَلَّقُ بِ اتَّخَذُوا. ودُونِ بِمَعْنَى الْمُبَاعَدَةِ، أَيْ مُتَجَاوِزِينَ اللَّهَ فِي اتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ آلِهَةً وَهُوَ حِكَايَةٌ لِحَالِهِمْ لزِيَادَة تشويهها وتشبيعها.
وبَلْ بِمَعْنَى لَكِنْ إِضْرَابًا وَاسْتِدْرَاكًا بَعْدَ التَّوْبِيخِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ مَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً وَلَا قَرَّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ، أَيْ بَلْ غَابُوا عَنْهُمْ وَقْتَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ.
وَالضَّلَالُ أَصْلُهُ: عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ لِلطَّرِيقِ وَاسْتُعِيرَ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِالْحُضُورِ اسْتِعَارَةً تَهَكُّمِيَّةً، أَيْ غَابُوا عَنْهُمْ وَلَوْ حَضَرُوا لَنَصَرُوهُمْ، وَهَذَا نَظِيرُ التَّهَكُّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [٦٤] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ فَهُوَ فَذْلَكَةٌ لِجُمْلَةِ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَخْ وَقَرِينَةٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ التَّهَكُّمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ضَلُّوا عَنْهُمْ. وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً مَنْ زَعَمَ الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِفْكُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.
وَالِافْتِرَاءُ: نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ وَهُوَ ابْتِكَارُ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَيُرَادِفُ الِاخْتِلَاقَ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ فَرْيِ الْجِلْدِ، فَالِافْتِرَاءُ الْكَذِبُ الَّذِي يَقُولُهُ، فَعَطْفُ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute