فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.
فَرْعٌ عَلَى جُمْلَةِ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ إِلَى مِنْ نَهارٍ، أَيْ فَلَا يُصِيبُ الْعَذَابُ إِلَّا الْمُشْرِكِينَ أَمْثَالَهُمْ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [الْبَقَرَة: ١٣٠] .
وَمَعْنَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ قَدِ اتَّضَحَ مِمَّا سَمِعْتَ أَنَّهُ لَا يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَاف: ٩] ، وَقَوله: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الْأَحْقَاف: ١٢، ١٣] ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى [الْأَحْقَاف: ٢٧] الْآيَةَ.
وَالْإِهْلَاكُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، فَإِنَّ مَا حُكِيَ فِيمَا مَضَى بَعْضُهُ إِهْلَاكٌ حَقِيقِيٌّ مِثْلُ مَا فِي قِصَّةِ عَادٍ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى، وَبَعْضُهُ مُجَازِيٌّ وَهُوَ سُوءُ الْحَالِ، أَيْ عَذَابُ الْآخِرَةِ: وَذَلِكَ فِيمَا حُكِيَ مِنْ عَذَابِ الْفَاسِقِينَ.
وَتَعْرِيفُ الْقَوْمُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ مُفِيدٌ الْعُمُومَ، أَيْ كُلُّ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ فَيَعُمُّ مُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ عَنَاهُمُ الْقُرْآنُ فَكَانَ لِهَذَا التَّفْرِيعِ مَعْنَى التَّذْيِيلِ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: فَهَلْ يُهْلَكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِتَغْلِيبِ إِهْلَاكِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي لَمَّا يَقَعْ عَلَى إِهْلَاكِ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ التَّعْرِيفَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ، أَيِ الْقَوْمُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ الْآيَةَ، فَيَكُونُ إِظْهَارًا فِي
مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ إِهْلَاكِهِمْ أَنَّهُ الْإِشْرَاكُ.
وَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ هُنَا الْفِسْقُ عَنِ الْإِيمَانِ وَهُوَ فِسْقُ الْإِشْرَاكِ. وَأَفَادَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَهْلِكُونَ هَذَا الْهَلَاكَ، أَوْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute