بِالطَّعْنِ فِي
الْقُلُوبِ بِالرِّمَاحِ أَوْ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ، وَأُوثِرَتْ عَلَى كَلِمَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَةِ بَلَاغَةٌ وَلِأَنَّ فِي خُصُوصِ هَذَا اللَّفْظِ غِلْظَةً وَشِدَّةً تُنَاسِبَانِ مَقَامَ التَّحْرِيضِ.
وَالضَّرْبُ هُنَا بِمَعْنَى: الْقَطْعُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ أَحَدُ أَحْوَالِ الْقِتَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى شَجَاعَةِ الْمُحَارب لكَونه مواجه عَدُوَّهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَالْمَعْنَى: فَاقْتُلُوهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِضَرْبِ السَّيْفِ، أَوْ طَعْنِ الرِّمَاحِ، أَوْ رَشْقِ النِّبَالِ، لِأَنَّ الْغَايَةَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْإِثْخَانُ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا: هُمُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ اصْطِلَاحَ الْقُرْآنِ مِنْ تَصَارِيفِ مَادَّةِ الْكُفْرِ، نَحْوِ:
الْكَافِرِينَ، وَالْكُفَّارِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا، هُوَ الشِّرْكُ. وحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ. وَمَعْنَى الْغَايَةُ مَعَهَا يُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى التَّفْرِيعِ.
وَالْإِثْخَانُ: الْغَلَبَةُ لِأَنَّهَا تَتْرُكُ الْمَغْلُوبَ كَالشَّيْءِ الْمُثْخَنِ وَهُوَ الثَّقِيلُ الصُّلْبُ الَّذِي لَا يَخِفُّ لِلْحَرَكَةِ وَيُوصَفُ بِهِ الْمَائِعُ الَّذِي جَمُدَ أَوْ قَارَبَ الْجُمُودَ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ بِسُهُولَةٍ، وَوُصِفَ بِهِ الثَّوْبُ وَالْحَبْلُ إِذَا كَثُرَتْ طَاقَاتُهُمَا بِحَيْثُ يَعْسُرُ تَفَكُّكُهَا.
وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى التَّوْهِينِ بِالْقَتْلِ، وَكِلَا الْمَعْنِيِّينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِذَا فُسِّرَ بِالْغَلَبَةِ كَانَ الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا غَلَبْتُمْ مِنْهُمْ مَنْ وَقَعُوا فِي قَبْضَتِكُمْ أَسْرَى فَشَدُّوا وَثَاقَهُمْ وَعَلَيْهِ فَجَوَازُ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ. وَإِذَا فُسِّرَ الْإِثْخَانُ بِكَثْرَةِ الْقَتْلِ فِيهِمْ كَانَ الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْجَيْشِ إِلَّا الْقَلِيلُ فَأْسِرُوا حِينَئِذٍ، أَيْ أَبْقُوا الْأَسْرَى، وَكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يَخْلُو مِنْ تَأْوِيلٍ فِي نَظْمِ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ.
وانتصب فَضَرْبَ الرِّقابِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَاضْرِبُوا الرِّقَابَ ضَرْبًا، فَلَمَّا حَذَفَ الْفِعْلَ اخْتِصَارًا قَدَّمَ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَنَابَ مَنَابَ الْفِعْلِ فِي الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْمَفْعُولِ وَأُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ إِضَافَةَ الْأَسْمَاءِ إِلَى الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ رَاجِحٌ فِي الِاسْمِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute