للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ أُمِرْتُمْ بِضَرْبِ رِقَابِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الله لَو شَاءَ لَاسْتَأْصَلَهُمْ وَلَمْ يُكَلِّفْكُمْ بِقِتَالِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ نَاطَ الْمُسَبِّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ أَنْ يَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.

وَتَعْدِيَةُ (انْتَصَرَ) بِحَرْفِ (مِنْ) مَعَ أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يُعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى:

انْتَقَمَ.

وَالِاسْتِدْرَاكُ رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْمَشِيئَةِ مِنَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَرَكَ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ لِسَبَبٍ غَيْرِ مَا بَعْدَ الِاسْتِدْرَاكِ.

وَالْبَلْوُ حَقِيقَتُهُ: الِاخْتِبَارُ وَالتَّجْرِبَةُ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي لَازِمِهِ وَهُوَ ظُهُورُ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ رَفْعِ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَقْعِ بَأْسِهِمْ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِمْ وَمِنْ إِهَانَةِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ أَنَّ شَأْنَهُمْ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ النَّاس.

وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) هَذَا مِنْ مَظَاهِرِ بَلْوَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَهُوَ مُقَابِلُ مَا فِي قَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِمَّا فِداءً، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَظَاهِرِ إِهَانَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَذُكِرَ هُنَا مَا هُوَ مِنْ رِفْعَةِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعِنَايَةِ اللَّهِ بِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَعْقَبَ الْأَمْرَ بِوَعْدِ الْجَزَاءِ عَلَى فِعْلِهِ.

وَذكر الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ إِذْ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: فَلَنْ يُضِلَّ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ، وَهَكَذَا بِأُسْلُوبِ الْخِطَابِ، فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنَ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ لِيَكُونَ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ إِفَادَةٌ تُقَوِّي الْخَبَرَ، وَلِيَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ لِلتَّنْوِيهِ بِصِلَتِهِ، وَلِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ عَلَى الصِّلَةِ بِأَنَّ تِلْكَ الصِّلَةَ هِيَ عِلَّةُ مَا وَرَدَ بَعْدَهَا مِنَ الْخَبَرِ.