للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النُّكَتِ الْمَعْنَوِيَّةِ مُقَابَلَةُ جَعَلَ ب فَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ وَقَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ فَدَلَّ عَلَى شَرَفِ السَّكِينَةِ عَلَى الْحَمِيَّةِ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ تَخْيِيلٌ لِلرِّفْعَةِ وَإِضَافَةُ الْحَمِيَّةِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِضَافَةُ السَّكِينَةِ إِلَى اسْمِ ذَاتِهِ. وَعُطِفَ عَلَى إِنْزَالِ اللَّهِ سَكِينَتَهُ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الْفَتْح: ٢٦] ، أَيْ جَعَلَ كَلِمَةَ التَّقْوَى لَازِمَةً لَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهَا، أَيْ قَرَنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كَلِمَةِ التَّقْوَى لِيَكُونَ ذَلِكَ مُقَابِلَ قَوْلِهِ: وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْفَتْح: ٢٥] فَإِنَّهُ لَمَّا رَبَطَ صَدَّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ رَبْطًا يُفِيدُ التَّعْلِيلَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا رَبَطَ مُلَازَمَةَ الْمُسْلِمِينَ كَلِمَةَ التَّقْوَى بِإِنْزَالِ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِهِمْ، لِيَكُونَ إِنْزَالُ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ، مُؤَثِّرًا فِيهِمْ عَمَلًا ظَاهِرِيًّا وَهُوَ مُلَازَمَتُهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى كَمَا كَانَتْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي دَفَعَتِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى صَدِّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي وَأَلْزَمَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَوَّضَ اللَّهُ

غَضَبَهُمْ بِالسَّكِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ مُفَارِقًا السَّكِينَةَ مِنْ قَبْلُ.

وكَلِمَةَ التَّقْوى إِنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِ مَعْنَى كَلِمَةَ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْفَاظِ وَإِطْلَاقُ الْكَلِمَةِ عَلَى الْكَلَامِ شَائِعٌ،

قَالَ تَعَالَى: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٠] فَفُسِّرَتِ الْكَلِمَةُ هُنَا بِأَنَّهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: فِي سَنَدِهِ: ثُوَيْرٌ، وَيُقَالُ: ثَوْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا وَكُلُّهَا ضَعِيفَةُ الْأَسَانِيدِ. وَرُوِيَ تَفْسِيرُهَا بِذَلِكَ عِنْدَ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَعْنَى إِلْزَامِهِ إِيَّاهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى: أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمُ الثَّبَاتَ عَلَيْهَا قَوْلًا بِلَفْظِهَا وَعَمَلًا بِمَدْلُولِهَا إِذْ فَائِدَةُ الْكَلَامِ حُصُولُ مَعْنَاهُ، فَإِطْلَاقُ (الْكَلِمَةِ) هُنَا كَإِطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف: ٢٨] يَعْنِي بِهَا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: ٢٦، ٢٧] .

وَإِضَافَةُ كَلِمَةَ إِلَى التَّقْوى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ إِضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ. وَمَعْنَى