للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّامُ فِي لَهُ لِتَعْدِيَةِ تَجْهَرُوا لِأَنَّ تَجْهَرُوا فِي مَعْنَى: تَقُولُوا، فَدَلَّتِ اللَّامُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَهْرَ يَتَعَلَّقُ بِمُخَاطَبَتِهِ، وَزَادَهُ وُضُوحًا التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.

وَفِي هَذَا النَّهْيِ مَا يَشْمَلُ صَنِيعَ الَّذِينَ نادوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَيَكُونُ تَخَلُّصًا مِنَ الْمُقَدِّمَةِ إِلَى الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ، وَيَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الحجرات: ٤] .

وأَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ فِي مَحَلِّ نَصَبٍ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا لِلنَّهْيِ، أَيْ أَنَّ الْجَهْرَ لَهُ بِالْقَوْلِ يُفْضِي بِكُمْ إِنْ لَمْ تَكُفُّوا عَنْهُ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ، فَحَبْطُ الْأَعْمَال بذلك مَا يُحْذَرُ مِنْهُ فَجَعَلَهُ مَدْخُولًا للام التَّعْلِيل مَصْرُوف عَنْ ظَاهِرٍ. فَالتَّقْدِيرُ: خَشْيَةَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ، كَذَا يُقَدِّرُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ.

وَالْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَهُ بِتَقْدِيرِ (لَا) النَّافِيَةِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَنْ لَا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِلنَّهْيِ عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ.

وَالْحَبْطُ: تَمْثِيلٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِسَبَبِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنَ الْكُفْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَبِطَتِ الْإِبِلُ إِذَا أَكَلَتِ الْخُضْرَ فَنَفَخَ بُطُونَهَا وَتَعْتَلُّ وَرُبَّمَا هَلَكَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ

«وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبْطًا أَوْ يُلِمُّ»

. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [الْمَائِدَة: ٥] .

وَظَاهِرُ الْآيَةِ التَّحْذِيرُ مِنْ حَبْطِ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ مِنْ صِيغِ الْعُمُومِ وَلَا يَكُونُ حَبْطُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ إِلَّا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْأَعْمَالِ الْإِيمَانَ فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ عَدَمَ الِاحْتِرَازِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ قَدْ يُفْضِي بِفَاعِلِهِ إِلَى إِثْمٍ عَظِيمٍ يَأْتِي عَلَى عَظِيمٍ مِنْ صَالِحَاتِهِ أَوْ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى الْوَحْشَةِ فِي نُفُوسِكُمْ فَلَا تَزَالُ مُعْتَقَدَاتُكُمْ تَتَدَرَّجُ الْقَهْقَرَى حَتَّى يؤول ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ فَحَبْطِ الْأَعْمَالِ. وَأَقُولُ: لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِهَاءِ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّدُ النَّفْسَ بِالِاسْتِرْسَالِ فِيهِ فَلَا تَزَالُ تَزْدَادُ مِنْهُ وَينْقص توفير الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّفْسِ وتتولى من سيّىء إِلَى أَشَدَّ مِنْهُ حَتَّى يؤول إِلَى عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِالتَّأَدُّبِ مَعَهُ وَذَلِكَ كُفْرٌ. وَهَذَا مَعْنَى وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ