إِذَا قَتَلَ حُرًّا وَالْعَبْدِ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا وَالْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ إِذَا قَتَلَ الْآخَرَ، فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَفِيهَا إِجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ [الْمَائِدَة: ٤٥] الْآيَة اهـ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّقْيِيدُ لِبَيَانِ عَدَمِ التَّفَاضُلِ فِي أَفْرَادِ النَّوْعِ، وَلَا
مَفْهُومَ لَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ تَفَاضُلِ الْأَنْوَاعِ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ قَالُوا: لَنَقْتُلَنَّ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرَ بِالْأُنْثَى، وَذَلِكَ وَقَعَ فِي قِتَالٍ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ لَا يُغْنِي فِي إِقَامَةِ مَحْمَلِ الْآيَةِ.
وَعَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لَا اعْتِبَارَ بِعُمُومِ مَفْهُومِ الْقَيْدِ لِأَنَّ شَرْطَ اعْتِبَارِهِ أَلَّا يَظْهَرَ لِذِكْرِ الْقَيْدِ سَبَبٌ إِلَّا الِاحْتِرَازَ عَنْ نَقِيضِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ سَبَبٌ غَيْرُ الِاحْتِرَازِ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَفْهُومِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَلَّا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَلَا أُنْثَى بِذَكَرٍ وَلَا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَإِنَّ دَلِيلَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ وَعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ عِنْدَ مَنْ نَفَى الْمُسَاوَاةَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى.
الثَّالِثُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا كَانَ حُكْمًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [الْمَائِدَة: ٤٥] وَنَقَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ حِكَايَةٌ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَيْفَ تَصْلُحُ نَسْخًا لِحُكْمٍ ثَبَتَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، أَيْ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَمَحَلُّهُ مَا لم يَأْتِي فِي شَرْعِنَا خِلَافُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» عَنِ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فِي الْقَتْلى هُوَ نِهَايَةُ الْكَلَامِ وَقَوْلَهُ: الْحُرُّ بِالْحُرِّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عُمُومُ الْمُسَاوَاةِ بِقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى لِأَنَّ الْقَتْلَى عَامٌّ وَخُصُوصُ آخِرِ الْآيَةِ لَا يُبْطِلُ عُمُومَ أَوَّلِهَا، وَلِذَلِكَ قَالُوا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، قُلْتُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّفْصِيلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا وَأَنَّ الْكَلَامَ بِأَوَاخِرِهِ فَالْخَاصُّ يُخَصِّصُ الْعَامَّ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّهُ لَا مَحِيصَ مِنِ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ تَفْصِيلًا إِلَّا أَنْ يَقُولُوا إِنَّ ذَلِكَ كَالتَّمْثِيلِ، وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي «الْكَشَّافِ» هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
وَيَبْقَى بَعْدَ هَاتِهِ التَّأْوِيلَاتِ سُؤَالٌ قَائِمٌ عَنْ وَجْهِ تَخْصِيصِ الْأُنْثَى بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَهَلْ تَخْرُجُ الْأُنْثَى عَنْ كَوْنِهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ الْجِنْسَانِ إِذْ لَيْسَ صِيغَةُ الذُّكُورِ فِيهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنِ النِّسَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ (الْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute