بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ [الحجرات: ١١] تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنَ الْحِيَادِ عَنْ مَهِيعِ الْإِيمَانِ وَتَجْنِيبًا لَهُمْ مَا هُوَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكُفْرِ.
فَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ إِلَى قَوْلِهِ: وَالْعِصْيانَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِلْهَابِ وَتَحْرِيكِ الهمم لمراعاة محبَّة الْإِيمَانِ وَكَرَاهَةِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ أَحْبَبْتُمُ الْإِيمَانَ وَكَرِهْتُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلَا تَرْغَبُوا فِي حُصُولِ مَا تَرْغَبُونَهُ إِذَا كَانَ الدِّينُ يَصُدُّ عَنْهُ وَكَانَ الْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ يَدْعُو إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِانْدِفَاعَ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ مِنَ الْهَوَى دُونَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ مَا يُرْضِي اللَّهَ وَمَا لَا يُرْضِيهِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ.
وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فِي صَدْرِ جُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ دُونَ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ اسْمُ الْجَلَالَةِ مِنَ الْمَهَابَةِ وَالرَّوْعَةِ. وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ وَاجِبِ اقْتِبَالِ مَا حَبَّبَ إِلَيْهِ وَنَبْذِ مَا كَرَّهَ إِلَيْهِ.
وَعُدِيَّ فِعْلَا حَبَّبَ وكَرَّهَ بِحرف (إِلَى) لتضمينهما مَعْنَى بَلَّغَ، أَيْ بَلَّغَ إِلَيْكُمْ حُبَّ الْإِيمَانِ وَكُرْهَ الْكُفْرِ. وَلَمْ يُعَدَّ فِعْلُ وَزَيَّنَهُ بِحَرْفِ (إِلَى) مِثْلَ فِعْلَيْ حَبَّبَ وكَرَّهَ، لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا رَغَّبَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَكَرَّهَهُمُ الْكُفْرَ امْتَثَلُوا فَأَحَبُّوا الْإِيمَانَ وَزَانَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَالتَّزْيِينُ: جَعْلُ الشَّيْءِ زَيْنًا، أَيْ حَسَنًا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:
أَجْمَعَتْ خُلَّتَيْ مَعَ الْفَجْرِ بَيْنَا ... جَلَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوَجْهَ زَيْنَا
وَجُمْلَةُ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ مُعْتَرِضَةٌ لِلْمَدْحِ. وَالْإِشَارَةُ بِ أُولئِكَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ: إِلَيْكُمُ مَرَّتَيْنِ وَفِي قَوْلِهِ: قُلُوبِكُمْ أَيِ الَّذِينَ أَحَبُّوا الْإِيمَانَ وَتَزَيَّنَتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَكَرِهُوا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ هُمُ الرَّاشِدُونَ، أَيْ هُمُ الْمُسْتَقِيمُونَ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.
وَأَفَادَ ضَمِيرُ الْفَصْلِ الْقَصْرَ وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ بَيْنَهُمْ فَرِيقًا لَيْسُوا بِرَاشِدِينَ وَهُمُ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِالْفِسْقِ حِينَ تَلَبُّسِهِمْ بِهِ فَإِنْ أَقْلَعُوا عَنْهُ الْتَحَقُوا بِالرَّاشِدِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute