وَشَرَفُ الْقُرْآنِ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَعْلَى الْمَعَانِي النَّافِعَةِ لِصَلَاحِ النَّاسِ فَذَلِكَ مَجْدُهُ. وَأَمَّا كَمَالُ مَجْدِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ بِوَصْفِ مَجِيدٍ فَذَلِكَ بِأَنَّهُ يَفُوقُ أَفْضَلَ مَا أَبْلَغَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ أَوْجَدَ أَلْفَاظَهُ وَتَرَاكِيبَهُ وَصُورَةَ نَظْمِهِ بِقُدْرَتِهِ دُونَ وَاسِطَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْجَدَهُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهِ يُعَبِّرُونَ بِكَلَامِهِمْ عَمَّا يُلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْوَحْيِ.
وَيَدْخُلُ فِي كَمَالِ مَجْدِهِ أَنَّهُ يَفُوقُ كُلَّ كَلَامٍ أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقُدْرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ مِثْلَ الْكَلَامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدُونِ وَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِثْلَ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَائِنَا بِالْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَفُوقُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ وَجَعَلَهُ مُعْجِزًا لِبُلَغَاءِ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ. وَيَفُوقُ كُلَّ كَلَامٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ بِوَفْرَةِ مَعَانِيهِ وَعَدَمِ انْحِصَارِهَا، وَأَيْضًا بِأَنَّهُ تَمَيَّزَ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ الدِّينِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَخُهُ كِتَابٌ يَجِيءُ بَعْدَهُ وَمَا يُنْسَخُ مِنْهُ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ يَنْسَخُهُ بَعْضُهُ.
وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ فِي تَقْدِيرِهِ كُلَّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ فِي الْمَقَامِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ السُّورَةِ بِحَرْفِ ق الْمُشْعِرِ بِالنِّدَاءِ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِضْرَابُ فِي قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ.
وَالتَّقْدِيرُ: وَالْقُرْآنُ الْمَجِيدُ إِنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ بِالْحَقِّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يس: ١- ٤] . أَوْ يُقَدَّرُ
الْجَوَابُ: إِنَّهُ لَتَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نَحْوِ حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الْأَحْزَاب: ١- ٣] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْإِضْرَابُ الِانْتِقَالِيُّ يَقْتَضِي كَلَامًا مُنْتَقَلًا مِنْهُ وَالْقَسَمُ بِدُونِ جَوَابٍ لَا يُعْتَبَرُ كَلَامًا تَامًّا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُقَدِّرَ السَّامِعُ جَوَابًا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute