للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاضْمِحْلَالِ تَدْخُلُ تَحْتَ حَقِيقَةِ النَّقْصِ فَقَدْ يَفْنَى بَعْضُ أَجْزَاءِ الْجَسَدِ وَيَبْقَى بَعْضُهُ، وَقَدْ يَأْتِي الْفَنَاءُ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنَّ عَجَبَ الذَّنْبِ لَا يَفْنَى كَانَ فَنَاءُ الْأَجْسَادِ نَقْصًا لَا انْعِدَامًا.

وَعُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ: وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ عَطْفَ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، وَهُوَ بِمَعْنَى تَذْيِيلٍ لِجُمْلَةِ قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أَيْ وَعِنْدَنَا عِلْمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ثَابِتًا فَتَنْكِيرُ كِتابٌ لِلتَّعْظِيمِ، وَهُوَ تَعْظِيمُ التَّعْمِيمِ، أَيْ عِنْدِنَا كِتَابُ كُلِّ شَيْءٍ.

وحَفِيظٌ فَعِيلٌ: إِمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ حَافِظٍ لِمَا جُعِلَ لِإِحْصَائِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ وَمَصَائِرِهَا. وَتَعْيِينِ جَمِيعِ الْأَرْوَاحِ لِذَوَاتِهَا الَّتِي كَانَتْ مُودَعَةً فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْبَعْثِ وَإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ وَبَثِّ الْأَرْوَاحِ فِيهَا. وَإِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَحْفُوظٍ مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ يَعْتَرِي الْكُتُبَ الْمَأْلُوفَةَ مِنَ الْمَحْوِ وَالتَّغْيِيرِ وَالزِّيَادَةِ وَالتَّشْطِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالْكِتَابُ: الْمَكْتُوبُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الصَّحَائِفِ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ حَقِيقَةً بِأَنْ جَعَلَ اللَّهُ كُتُبًا وَأَوْدَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةٍ يُسَجِّلُونَ فِيهَا النَّاسَ حِينَ وَفَيَاتِهِمْ وَمَوَاضِعِ أَجْسَادِهِمْ وَمَقَارِّ أَرْوَاحِهِمْ وَانْتِسَابِ كُلِّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَتْ حَالَّةً فِيهِ حَالَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا صَادِقًا بِكُتُبٍ عَدِيدَةٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ كِتَابُهُ، وَتَكُونُ مِثْلَ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: ١٧، ١٨] ، وَقَوْلُهُ: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الْإِسْرَاء: ١٣، ١٤] . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: وَعِنْدَنا كِتابٌ تَمْثِيلًا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَالِ عِلْمِ مَنْ عِنْدَهُ كِتَابٌ حَفِيظٌ يَعْلَمُ بِهِ جَمِيعَ أَعْمَالِ النَّاسِ.

وَالْعِنْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: وَعِنْدَنا كِتابٌ مُسْتَعَارَةٌ لِلْحِيَاطَةِ وَالْحِفْظِ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ مَا فِيهِ أَوْ مَنْ يُبْطِلُ مَا عيّن لَهُ.