للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ عَلِمَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَائِكَةِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ لَا تَكُونُ لِمُجَرَّدِ بِشَارَتِهِ بِابْنٍ يُولَدُ لَهُ وَلِزَوْجِهِ إِذْ كَانَتِ الْبِشَارَةُ تَحْصُلُ لَهُ

بِالْوَحْيِ، فَكَانَ مِنْ عِلْمِ النُّبُوءَةِ أَنَّ إِرْسَالَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْأَرْضِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِخَطْبٍ قَالَ تَعَالَى: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [الْحجر: ٨] .

وَالْخَطْبُ: الْحَدَثُ الْعَظِيمُ وَالشَّأْنُ الْمُهِمُّ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهِمْ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ.

وَالْمَعْنَى: مَا الْخَطْبُ الَّذِي أُرْسِلْتُمْ لِأَجْلِهِ إِذْ لَا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا بِالْحَقِّ. وَخَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُسَمِّيهِمْ بِهِ إِلَّا وَصْفَ أَنَّهُمُ الْمُرْسَلُونَ، وَالْمُرْسَلُونَ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات: ١] عَن أَحَدِ تَفْسِيرَيْنِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أَهْلُ سَدُومَ وَعَمُّورِيَّةَ، وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ هُودٍ.

وَالْإِرْسَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي الرَّمْيِ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ: أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى الصَّيْدِ، وَهَذَا الْإِرْسَالُ يَكُونُ بَعْدَ أَنْ أَصْعَدُوا الْحِجَارَةَ إِلَى الْجَوِّ وَأَرْسَلَتْهَا عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَطَرًا فِي بَعْضِ الْآيَاتِ.

وَحَصَلَ بَيْنَ أُرْسِلْنا وَبَيْنَ لِنُرْسِلَ جِنَاسٌ لَاخْتِلَافِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ.

وَالْحِجَارَةُ: اسْمُ جَمْعٍ لِلْحَجَرِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْحِجَارَةِ مِنْ طِينٍ: أَنَّ أَصْلَهَا طِينٌ تَحَجَّرَ بِصَهْرِ النَّارِ، وَهِيَ حِجَارَةٌ بُرْكَانِيَّةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ قَذَفَتْهَا الْأَرْضُ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ بُحَيْرَةً تُدْعَى الْيَوْمَ بُحَيْرَةَ لُوطٍ، وَأَصْعَدَهَا نَامُوسٌ إِلَهِيٌّ بِضَغْطٍ جَعَلَهُ اللَّهُ يَرْفَعُ الْخَارِجَ مِنَ الْبُرْكَانِ إِلَى الْجَوِّ فَنَزَلَتْ عَلَى قُرَى قَوْمِ لُوطٍ فَأَهْلَكَتْهُمْ، وَذَلِكَ بِأَمْرِ التَّكْوِينِ بِوَاسِطَةِ الْقُوَى الْمَلَكِيَّةِ.

وَالْمُسَوَّمَةُ: الَّتِي عَلَيْهَا السُّومَةُ أَيْ الْعَلَامَةُ، أَيْ عَلَيْهَا عَلَامَاتٌ مِنْ أَلْوَانٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمُتَعَارَفَةِ.

وَمَعْنَى عِنْدَ رَبِّكَ أَنَّ عَلَامَاتِهَا بَخَلْقِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ.