للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ [الذاريات: ٨] الْآيَةَ كَمَا عَلِمْتَ هُنَالِكَ، أَيْ مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْمُخْتَلِفِ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَذلِكَ فِي مَحَلِّ حَالٍ وَصَاحِبُ الْحَالِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.

وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالْمَعْنَى: أَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ كَحَالِ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ مِمَّنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ أَنْ يَصِفُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ فَكَذَلِكَ سَيُجِيبُ هَؤُلَاءِ عَنْ قَوْلِكَ:

«فِرُّوا إِلَى اللَّهِ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ» بِمِثْلِ جَوَابِ مَنْ قَبْلَهُمْ فَلَا مَطْمَعَ فِي ارْعِوَائِهِمْ عَنْ عِنَادِهِمْ.

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْأُمَمُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَضَمِيرُ

قَبْلِهِمْ عَائِدٌ إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الْحَاضِرِينَ.

وَزِيَادَةُ مِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ رَسُولٍ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى إِرَادَةِ الْعُمُومِ، أَيْ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ قَالَ فِيهِ فَرِيقٌ مِنْ قَوْمِهِ: هُوَ سَاحِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: سَاحِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَجْنُونٌ، مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ دُونَ السِّحْرِ إِذْ لَمْ يَكُنِ السِّحْرُ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ قَالُوا:

إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٥] . وَقَدْ يَجْمَعُونَ الْقَوْلَيْنِ مِثْلَ قَوْلِ فِرْعَوْنَ فِي مُوسَى.

وَهَذَا الْعُمُومُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ قَوْمٌ مِنَ الْأَقْوَامِ الْمَذْكُورِينَ إِلَّا قَالُوا لِرَسُولِهِمْ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى بِلَفْظِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ كَقَوْلِ قَوْمِ هُودٍ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: ٥٤] .

وَأَوَّلُ الرُّسُلِ هُوَ نُوحٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الشَّفَاعَةِ. فَلَا يُرَدُّ أَنَّ آدَمَ لَمْ يُكَذِّبْهُ أَهْلُهُ، وَأَنَّ أَنْبِيَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ يُوشَعَ وَأَشْعِيَا، لَمْ يُكَذِّبْهُمْ قَوْمُهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: مِنْ رَسُولٍ، وَالرَّسُولُ أَخَصُّ مِنَ النَّبِيءِ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي إِلَّا قالُوا ساحِرٌ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحْوَالٍ مَحْذُوفَةٍ.

وَالْمَعْنَى: مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ أَقْوَالِهِمْ إِلَّا فِي حَالِ قَوْلِهِمْ: سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.