وَالَّذِينَ كَفَرُوا: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، عَدَلَ عَنْ ضَمِيرِهِمْ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْكِيدِ الِاسْمِ السَّابِقِ تَأْكِيدًا بِالْمُرَادِفِ، مَعَ مَا فِي صِفَةِ الْكُفْرِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَشْكُرُوا نِعْمَةَ خَالِقِهِمْ.
وَالْيَوْمَ الَّذِي أُوعِدُوهُ هُوَ زَمَنُ حُلُولِ الْعَذَابِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَيُحْتَمَلُ حُلُولُ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، وَأَيًّا مَا كَانَ فَمَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُغَايِرٌ لِمَضْمُونِ الَّتِي قَبْلَهَا.
وَإِضَافَةُ (يَوْمٍ) إِلَى ضَمِيرِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِمْ، أَيْ هُوَ مُعَيَّنٌ لِجَزَائِهِمْ كَمَا أُضِيفَ يَوْمٌ إِلَى ضَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٣] . وَالْيَوْمُ: يَصْدُقُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَصْدُقُ بِيَوْمِ بَدْرٍ الَّذِي اسْتَأْصَلَ اللَّهُ فِيهِ شَوْكَتَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ ضَمِيرَ الْكُفَّارِ الْمُعَيَّنِينَ وَهُمْ كُفَّارُ مَكَّةَ تَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ يَوْمًا خَاصًّا بِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُفَّارِ الْأُمَمِ كُلِّهِمْ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [١٠٣] : وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ لِأَنَّ ضمير الْخطاب فِيهَا عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الْأَنْبِيَاء: ١٠١] كُلِّهِمْ.
وَفِي الْآيَةِ مِنَ اللَّطَائِفِ تَمْثِيلُ مَا سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذَّنُوبِ، وَالذَّنُوبُ يُنَاسِبُ الْقَلِيبَ وَقَدْ كَانَ مَثْوَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ قَلِيبَ بَدْرٍ الَّذِي رُمِيَتْ فِيهِ أَشْلَاءُ سَادَتِهِمْ وَهُوَ الْيَوْمُ الْقَائِلُ فِيهِ شَدَّاد بن الْأسود اللَّيْثِيُّ الْمُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ يَرْثِي قَتْلَاهُمْ:
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمَّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
وَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا يَشْمَلُ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَقَفَ عَلَى الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الْأَعْرَاف: ٤٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute