لِيُكْتَبَ عَلَيْهِ. وَقَدْ جَمَعَهَا الْمُتَلَمِّسُ فِي قَوْلِهِ:
فَكَأَنَّمَا هِيَ مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا ... رَقٌّ أُتِيحَ كِتَابُهَا مَسْطُورُ
وَالْمَنْشُورُ: الْمَبْسُوطُ غَيْرُ الْمَطْوِيِّ قَالَ يَزِيدُ بن الطَّثَرِيَّةِ:
صَحَائِفُ عِنْدِي لِلْعِتَابِ طَوَيْتُهَا ... سَتُنْشَرُ يَوْمًا مَا وَالْعِتَابُ يَطُولُ
أَيْ: أُقْسِمُ بِحَالِ نَشْرِهِ لِقِرَاءَتِهِ وَهِيَ أَشْرَفُ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهَا حَالَةُ حُصُولِ الاهتداء بِهِ للقارىء وَالسَّامِعِ.
وَكَانَ الْيَهُودُ يَكْتُبُونَ التَّوْرَاة فِي رقوق مُلْصَقٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ أَوْ مُخَيَّطٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَتَصِيرُ قِطْعَةً وَاحِدَةً وَيَطْوُونَهَا طَيًّا أُسْطُوَانِيًّا لِتُحْفَظَ فَإِذَا أَرَادُوا قِرَاءَتَهَا نَشَرُوا مَطْوِيَّهَا، وَمِنْهُ
مَا فِي حَدِيثِ الرَّجْمِ «فَنَشَرُوا التَّوْرَاة» .
وَلَيْسَ المُرَاد بِكِتَابٍ مَسْطُورٍ الْقُرْآنَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مَكْتُوبًا سُطُورًا وَلَا هُوَ مَكْتُوبًا فِي رَقٍّ.
وَمُنَاسَبَةُ الْقَسَمِ بِالتَّوْرَاةِ أَنَّهَا الْكِتَابُ الْمَوْجُودُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْجَزَاءِ وَإِبْطَالُ الشِّرْكِ وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْكَرُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَيْسَ بدعا فقد نزلت قَبْلَهُ التَّوْرَاةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْعَذَابِ بِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ جَزَاءٌ عَلَى تَكْذِيبِهِمُ الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَذَابِ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ [الطّور: ١١، ١٢] .
وَالْقَسَمُ بِالتَّوْرَاةِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّوْرَاةَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَبْدِيلٌ لِمَا كَتَبَهُ مُوسَى: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [الْمَائِدَة: ١٣] أَنَّهُ تَحْرِيفٌ بِسُوءِ فَهْمٍ وَلَيْسَ تَبْدِيلًا لِأَلْفَاظِ التَّوْرَاةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ أَنَّ التَّحْرِيفَ وَقَعَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ حِينَ ظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ وَجَبَهَتِ الْيَهُودَ دَلَالَةُ مَوَاضِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ عَلَى صِفَاتِ النَّبِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْقَسَمَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوَحْيِ الصَّحِيحِ.
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ: عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَهَذَا الْأَنْسَبُ بِعَطْفِهِ عَلَى الطُّورِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute