الْمُحَالِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِمْ، فَجَعَلُوهُ خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، فَالتَّقْدِيرُ: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لَا نَحْنُ. وَالْمَعْنَى:
نَحْنُ الْخَالِقُونَ لَا هُمْ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ الْخالِقُونَ لِقَصْدِ الْعُمُومِ، أَيِ الْخَالِقُونَ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَعَلَى هَذَا جَرَى الطَّبَرِيُّ وَقَدَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ عَدَا الطَّبَرِيِّ: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَنْفُسَهُمْ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ضَمِيرَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ اسْمُ مَعَادِ ذَلِكَ الضَّمِيرِ وَلَا افْتِرَاءَ فِي انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونُوا خَالِقِينَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُتَصَدَّ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الِانْتِفَاءِ.
وَجُمْلَةُ أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ إِنْ كَانَ مَفْعُولُ الْخالِقُونَ الْمَحْذُوفُ مُرَادًا بِهِ الْعُمُومُ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ذَاتَيْهِمَا مَعَ مَنْ فِيهِمَا، أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ أَنَّ الْمُرَادُ ذَاتَيِ السَّمَاوَات وَالْأَرْضِ، فَيَكُونُ تَخْصِيصُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالذِّكْرِ لِعِظَمِ خَلْقِهِمَا.
وَإِعَادَةُ حَرْفِ أَمْ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا يُعَادُ عَامِلُ الْمُبَدَلِ مِنْهُ فِي الْبَدَلِ، وَالْمَعْنَى: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَا يُعْجِزُهُ إِعَادَةَ الْأَجْسَادِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [الْإِسْرَاء: ٩٩] أَيْ أَنْ يَخْلُقَ أَمْثَالَ أَجْسَادِهِمْ بَعْدَ انْعِدَامِهِمْ.
بَلْ لَا يُوقِنُونَ.
إِضْرَابُ إِبْطَالٍ عَلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ، أَيْ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَلَا خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَيِّنٌ لَهُمْ فَمَا إِنْكَارُهُمُ الْبَعْث إِلَّا ناشىء عَنْ عَدَمِ إِيقَانِهِمْ فِي مَظَانِّ الْإِيقَانِ وَهِيَ الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَأَنَّهُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute