الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْيِ الرِّسَالَةِ عَنْهُ بِوَقَاحَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَاهِنٌ، وَمَجْنُونٌ، وَشَاعِرٌ إِلَخْ بِخِلَافِ آيَةِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّهَا رَدَّتْ عَلَيْهِمْ تَعْرِيضَهُمْ أَنْفُسَهُمْ لِنَوَالِ الرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ هُوَ كَقَوْلِهِ فِي سُورَة ص [٨، ٩] أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ [٣٢] أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ.
وَكَلِمَةُ «عِنْدَ» تُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي مَعْنَى الْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الْأَنْعَام: ٥٩] ، فَالْمَعْنَى: أَيَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَبِّكَ، أَيِ الْخَزَائِنُ الَّتِي يَمْلِكُهَا رَبُّكَ كَمَا اقْتَضَتْهُ إِضَافَةُ خَزائِنُ إِلَى رَبِّكَ عَلَى نَحْوِ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى [النَّجْم:
٣٥] . وَقَدْ عُبِّرَ عَنْ هَذَا بِاللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ [الْإِسْرَاء: ١٠٠] .
أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) .
إِنْكَارٌ لِأَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَصَرُّفٌ فِي عَطَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ دُونَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مِثْلُ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَالْخَازِنِ وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُصَيْطِرُونَ.
وَالْمُصَيْطِرُ: يُقَالُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ فِي أَوَّلِهِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ صَيْطَرَ بِالصَّادِ وَالسِّينِ، إِذَا حَفِظَ وَتَسَلَّطَ، وَهُوَ فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنْ سَيْطَرَ إِذَا قَطَعَ، وَمِنْهُ الساطور، وَهُوَ حَدِيدَة يقطع بهَا اللَّحْمُ وَالْعَظْمُ. وَصِيغَ مِنْهُ وزن فيعل لِلْإِلْحَاقِ بِالرُّبَاعِيِّ كَقَوْلِهِمْ: بَيْقَرَ، بِمَعْنَى هَلَكَ أَوْ تَحَضَّرَ، وَبَيْطَرَ بِمَعْنَى شَقَّ، وَهَيْمَنَ، وَلَا خَامِسَ لَهَا فِي الْأَفْعَالِ. وَإِبْدَالُ السِّينِ صَادًا لُغَةٌ فِيهِ مِثْلُ الصِّرَاطِ وَالسِّرَاطَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْمُصَيْطِرُونَ بِصَادٍ. وَقَرَأَهُ قُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَحَفْص فِي رِوَايَة بِالسِّينِ فِي أَوَّلِهِ.
وَفِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف: ٣٢] ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute