للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالصَّعْقُ: الْإِغْمَاءُ مِنْ خَوْفٍ أَوْ هَلَعٍ قَالَ تَعَالَى: وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الْأَعْرَاف:

١٤٣] ، وَأَصْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّاعِقَةِ لِأَنَّ الْمُصَابَ بِهَا يُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتُ، يُقَالُ: صَعِقَ، بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، وَصُعِقَ بِضَمٍ وَكَسْرٍ.

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ يُصْعَقُونَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ.

وَذَلِكَ هُوَ يَوْمُ الْحَشْرِ قَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: ٦٨] ، وَمُلَاقَاتُهُمْ لِلْيَوْمِ مُسْتَعَارَةٌ لِوُقُوعِهِ، شُبِّهَ الْيَوْمُ وَهُوَ الزَّمَانُ بِشَخْصٍ غَائِبٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكَنِّيَةِ وَإِثْبَاتُ الْمُلَاقَاةِ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ. وَالْمُلَاقَاةُ مُسْتَعَارَةٌ أَيْضًا لِلْحُلُولِ فِيهِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خَطَئِهِمْ فِي إِنْكَارِهِ.

ويَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً بَدَلٌ من يَوْمَهُمُ [الطّور: ٤٥] وَفَتْحَتُهُ فَتْحَةُ إِعْرَابٍ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى مُعْرَبٍ.

وَالْإِغْنَاءُ: جَعْلُ الْغَيْرِ غَنِيًّا، أَيْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا تَقُومُ بِهِ حَاجِيَّاتُهُ، وَإِذَا قِيلَ: أَغْنَى عَنْهُ. كَانَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ حَاجَةٍ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا، وَيُتَوَسَّعَ فِيهِ بِحَذْفِ مَفْعُولِهِ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ.

وَالْمُرَادُ هُنَا لَا يُغْنِي عَنْهُم شَيْئا عَن الْعَذَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ إِضَافَةِ يَوْمَ إِلَى ضَمِيرِهِمْ وَمِنَ الصِّلَةِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ.

وكَيْدُهُمْ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ، أَيْ مَا يَكِيدُونَ بِهِ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً [الطّور: ٤٢] ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ كَيْدًا يَوْمَئِذٍ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا.

فَالْمَعْنَى: لَا كَيْدَ لَهُمْ فَيُغْنِيَ عَنْهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ أَي لَا منار لَهُ فَيُهْتَدَى بِهِ.

وَهَذَا يَنْفِي عَنْهُمُ التَّخَلُّصَ بِوَسَائِلَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ