للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكْسِبَ إِحْدَى الْقِرَاءَاتِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ رُجْحَانًا، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ كَانَ لَا يَرَى مَانِعًا مِنْ تَرْجِيحِ قِرَاءَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْعَلَّامَةُ

الزَّمَخْشَرِيُّ وَفِي أَكْثَرِ مَا رَجَّحَ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ.

وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنِ اخْتِيَارِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَوَاتِرَتَيْنِ وَقَوْلِهِمْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَحْسَنُ، أَذَاكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنْ تَحْسِينِ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَاخْتِيَارِهَا عَلَى بَعْضٍ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ وَأَصَحَّ فِي النَّقْلِ، وَأَيْسَرَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ، كَرِوَايَةِ وَرْشٍ الَّتِي اخْتَارَهَا الشُّيُوخُ الْمُتَقَدِّمُونَ عِنْدَنَا (أَيْ بِالْأَنْدَلُسِ) فَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَامِعِ لَا يَقْرَأُ إِلَّا بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْهِيلِ النَّبَرَاتِ وَتَرْكِ تَحْقِيقِهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ تَؤَوَّلَ ذَلِكَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهِيَةِ النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ.

وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنَ «الْعُتْبِيَّةِ» : سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَمَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «الْبَيَانِ» يُعْنَى بِالنَّبْرِ هَاهُنَا إِظْهَارُ الْهَمْزَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى الْأَصْلِ فَكُرِهَ ذَلِكَ وَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّسْهِيلُ عَلَى رِوَايَةِ وَرْشٍ لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ الْهَمْزَ (أَيْ إِظْهَارَ الْهَمْزِ فِي الْكَلِمَاتِ الْمَهْمُوزَةِ بَلْ كَانَ يَنْطِقُ بِالْهَمْزَةِ مُسَهَّلَةً إِلَى أَحْرُفِ عِلَّةٍ مِنْ جِنْسِ حَرَكَتِهَا، مِثْلَ: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ [الْكَهْف: ٩٤] بِالْأَلِفِ دُونَ الْهَمْزِ، وَمِثْلَ: الذِّيبِ فِي الذِّئْبُ [يُوسُف: ١٣] وَمِثْلَ: مُومِنٍ فِي مُؤْمِنٌ [الْبَقَرَة: ٢٢١] . ثُمَّ قَالَ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الْعَمَلُ جَارِيًا فِي قُرْطُبَةَ قَدِيمًا أَنْ لَا يَقْرَأَ الْإِمَامُ بِالْجَامِعِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِرِوَايَةِ وَرْشٍ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ ذَلِكَ وَتُرِكَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ مُنْذُ زَمَنٍ قَرِيبٍ اهـ.

وَهَذَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ رَاوِي حَمْزَةَ، قَدِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً مِنْ بَيْنِ قِرَاءَاتِ الْكُوفِيِّينَ، وَمِنْهُمْ شَيْخُهُ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَمَيَّزَهَا قِرَاءَةً خَاصَّةً فَعُدَّتْ عَاشِرَةَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَمَا هِيَ إِلَّا اخْتِيَارٌ مِنْ قِرَاءَاتِ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ [الْأَنْبِيَاء: ٩٥] قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الرَّاءِ مِثْلَ حَفْصٍ وَالْجُمْهُورِ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يُفْضِي تَرْجِيحُ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى بَعْضٍ إِلَى أَنْ تَكُونَ الرَّاجِحَةُ أَبْلَغَ مِنَ الْمَرْجُوحَةِ فَيُفْضِي إِلَى أَنَّ الْمَرْجُوحَةَ أَضْعَفُ فِي الْإِعْجَازِ؟