وَفِي إِضَافَةِ (رَبٍّ) إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِنَايَةَ بِالْمُحْسِنِينَ مِنْ أُمَّتِهِ قَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ بِبَرَكَتِهِ.
وَالْوَاسِعُ: الْكَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ، اسْتُعِيرَتِ السِّعَةُ لِكَثْرَةِ الشُّمُولِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الْوَاسِعَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِمَّنْ يَحِلُّ فِيهِ قَالَ تَعَالَى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ غَافِرٍ [٧] .
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى.
الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَوُقُوعُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ينبىء عَنِ اتِّصَالِ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُوَجَّهٍ لِلْيَهُودِ كَمَا فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» لِلْوَاحِدِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَصْلُهُ
لِعَبْدِ اللَّهِ بن لَهِيعَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ حَارِثٍ الْأَنْصَارِيِّ. قَالَ: «كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَقُولُونَ: هُوَ صِدِّيقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذِبَتْ يَهُودُ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِلَّا أَنَّهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
. وَعَبْدُ اللَّهِ بن لَهِيعَةَ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَتَرَكَهُ وَكِيعٌ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَابْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: الْعَمَلُ عَلَى تَضْعِيفِهِ، قُلْتُ: لَعَلَّ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَضْبُطُ فَقَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَإِنَّمَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ إِلَخْ، حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْخَوْضُ مَعَ الْيَهُودِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرُوا بِأَعْمَالِهِمْ. وَكَأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى تَطَلُّبِ سَبَبٍ لِنُزُولِهَا قَصْدُ إِبْدَاءِ وَجْهِ اتِّصَالِ قَوْلِهِ:
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِمَعْنَى سِعَةِ الْمَغْفِرَةِ بِبَيَانِ سِعَةِ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ بِعِبَادِهِ إِذْ سَلَكَ بِهِمْ مَسْلَكَ الْيُسْرِ وَالتَّخْفِيفِ فَعَفَا عَمَّا لَوْ أَخَذَهُمْ بِهِ لَأَحْرَجَهُمْ فَقَوْلُهُ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ نَظِيرُ قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute