عَلَيْهِ وَسلم. وَعَلَيْهِ فَلَا نَتَطَلَّبُ لَهَا نَظِيرًا مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَمَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ الرُّجُوعُ إِلَى حُكْمِهِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا تُلَابِسُهُ أَحْكَامٌ هِيَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ مِمَّا هُوَ شَأْنُ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ اللَّهِ بِلَفْظِ رَبِّكَ تشريف للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعريض بِالتَّهْدِيدِ لِمُكَذِّبِيهِ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّبِّ الدِّفَاعُ عَنْ مَرْبُوبِهِ.
وَفِي الْآيَةِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُنْتَهَى مَجَازًا عَنِ انْتِهَاءِ السَّيْرِ، بِمَعْنَى الْوُقُوفِ، لِأَنَّ الْوُقُوفَ انْتِهَاءُ سَيْرِ السَّائِرِ، وَيَكُونُ الْوُقُوفُ تَمْثِيلًا لِحَالِ الْمُطِيعِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَشْبِيهًا لأمر الله بِالْحَدِّ الَّذِي تُحَدَّدُ بِهِ الْحَوَائِطُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ أَبِي الشِّيصِ:
وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ لِي ... مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ
كَمَا عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الْحَدِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] . وَالْمَعْنَى: التَّحْذِيرُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَنَهَى.
وَفِي الْآيَةِ مَعْنًى ثَالِثٌ وَهُوَ انْتِهَاءُ دَلَالَةِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ لِأَنَّ النَّاظِرَ إِلَى الْكَائِنَاتِ يَعْلَمُ أَنَّ وُجُودَهَا مُمْكِنٌ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ لَهَا من مَوْجُود، فَإِذَا خَيَّلَتِ الْوَسْوَسَةُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَفْرِضَ لِلْكَائِنَاتِ مُوجِدًا مِمَّا يَبْدُو لَهُ مِنْ نَحْوِ الشَّمْسِ أَوِ الْقَمَرِ أَوِ النَّارِ لِمَا يَرَى فِيهَا مِنْ عِظَمِ الْفَاعِلِيَّةِ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَفْرُوضَ لَا يَخْلُو عَنْ تَغَيُّرٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ أَوْجَدَهُ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَيَالُ يُسَلْسِلُ مَفْرُوضَاتِ الْإِلَهِيَّةِ
(كَمَا فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي [الْأَنْعَام: ٧٦] الْآيَاتُ) لَمْ يَجِدِ الْعَقْلُ بُدًّا مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى وُجُوبِ وجود صانع لممكنات كُلِّهَا، وَجُودُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ بَلْ وَاجِبٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ، فَاللَّهُ هُوَ الْمُنْتَهَى الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ اسْتِدْلَالُ الْعَقْلِ، ثُمَّ إِذَا لَاحَ لَهُ دَلِيلُ وُجُودِ الْخَالِقِ وَأَفْضَى بِهِ إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّهُ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا لَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَعَدِّدِ غَيْرَ كَامِلِ الْإِلَهِيَّةِ إِذْ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْمُتَعَدِّدِ فِيمَا قَدْ تَصَرَّفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute